أكد تقرير حديث صادر عن “مركز ستيمسون”، المتخصص في البحوث التطبيقية والتحليلات المستقلة وابتكار السياسات، أن “استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 تخصص اهتماما ضئيلا لقارة سترسم مستقبل النمو والعمالة وأسواق الطاقة في العالم لعقود قادمة. فبدلا من الظهور كشريك سياسي واقتصادي قائم بذاته، تظهر إفريقيا بشكل أساسي في الوثيقة كمصدر لاستخراج المعادن وساحة للتنافس الجيو-سياسي مع بكين”.
وأبرز التقرير أن “هذا التحول يمثل تراجعا هادئا عن التركيز على الحوكمة والتنمية والمشاركة المؤسسية، لصالح الاستقرار الذي يُعرّف بشكل ضيق حول سلاسل التوريد. والنتيجة هي استراتيجية تخطئ في فهم مسار إفريقيا وتخاطر بمبادلة النفوذ الدائم بالوصول قصير الأجل”.
وشدد على أنه “مع اندماج إفريقيا واستعدادها للتأثير على الساحة العالمية بشكل أكبر، قد تثبت ‘اللامبالاة العدوانية’ لواشنطن أنها أكثر تكلفة من ضبط النفس الاستراتيجي”، مبرزا أن “ما يظهر هو أن أمريكا لا ترى في إفريقيا شريكا دبلوماسيا أو أولوية تنموية، بقدر ما ترى فيها محطة جيو-سياسية في سلاسل إمداد عالمية معاد ترتيبها، تكتسب قيمتها أساسا مما يكمن تحت تربتها وليس من البشر الذين يعيشون عليها”.
وأوضح التقرير ذاته أن “خطاب استراتيجية الأمن القومي يقدم إفريقيا بشكل شبه حصري على أنها ساحة لمنافسة الموارد مع الصين. فهي تحتوي على ودائع هائلة من الكوبالت والليثيوم والنحاس والمنغنيز والعناصر الأرضية النادرة، بينما تعتمد الولايات المتحدة اعتمادا كليا على الاستيراد لـ12 معدنا أساسيا. وبالتالي، تُصوَّر إفريقيا في إطار واشنطن كمشكلة توريد في سباق تسارعي للمواد الخام، أكثر من كونها قارة ذات أسواق نامية وسكان يتجهون نحو التحضر واقتصادات صاعدة وتكامل إقليمي متعمق”.
واعتبر أن “هذا التصور يكشف أيضا عن تراجع هادئ عن المشاركة القائمة على الحوكمة التي حددت السياسة الأمريكية لعقود. فالاستراتيجية تشير إلى توجه جديد: استخراج ما هو مطلوب، تثبيت ما قد ينفجر، تجاوز السياسات، وتجنب النقاشات الأيديولوجية. ومن الناحية العملية، ستقبل الولايات المتحدة الآن بالزعماء الأفارقة ‘كما هم’، وهو سطر يُقرأ أقل أنه دعوة إلى الواقعية وأكثر أنه تخلٍّ رسمي عن شروط الديمقراطية”.
وأبرز أن “الخطأ الذي ترتكبه واشنطن ليس مجرد إغفال، بل هو أيضا قصر نظر استراتيجي. فمعالجة إفريقيا كعقدة إمداد بدلا من شريك سياسي واقتصادي تخطئ في فهم كيفية تراكم النفوذ العالمي. وبينما ترفض واشنطن الاستثمار في المرونة المؤسسية والتنمية الاجتماعية، فإنها ستواجه في النهاية أزمات لاحقة مثل موجات الهجرة وتداعيات الصراع والطوارئ الإنسانية، وستكون تكلفتها أكبر بكثير من تكلفة المشاركة المبكرة التي كان من الممكن أن تمنعها”.
ولفت التقرير إلى أن “تحليل الاستراتيجية الأمريكية يظهر مفارقة أنها تسعى إلى تجنب ‘الأعباء العالمية الدائمة’ بينما تخاطر بخلق أعباء جديدة عن طريق تجاهل إخفاقات الحوكمة وعدم المساواة الاجتماعية والانقسامات التي تولد عدم الاستقرار”.
وزاد: “مع ذلك، وبشكل غير مقصود، تخلق الاستراتيجية مساحة لإفريقيا لتشكيل مستقبل أكثر استقلالية، فمن خلال التراجع عن بناء الدول وتعزيز الديمقراطية، قد تسرع واشنطن ظهور إفريقيا أقل اعتمادا على الشركاء الخارجيين وأكثر التزاما بحل المشكلات الداخلية”، مبرزا أن “الخطر على الولايات المتحدة هو أن إفريقيا التي تتجه نحو الاستقلال الاستراتيجي قد لا تختار واشنطن كشريكها الأساسي”

