كشف التقرير العالمي للتهديدات البيئية لسنة 2025 ، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام عن اتجاه مقلق لتزايد انعدام الأمن المائي في شمال غرب أفريقيا، مؤكّدًا أن تونس سجّلت أسوأ تدهور بيئي بين جميع الدول المشمولة بالدراسة منذ عام 2019.
ووفق التقرير، فإنّ تونس شهدت أكبر ارتفاع في مؤشّر التهديدات البيئية على مستوى العالم، بسبب تفاقم أزمة المياه وتزايد آثار الظواهر المناخية الحادة مثل الجفاف الطويل، وموجات الحرّ القياسية، والتغير الكبير في أنماط الأمطار. هذه العوامل، إلى جانب ضعف البنية التحتية وندرة الموارد التقنية والمالية، جعلت ملايين المواطنين عرضةً لنقص المياه وتراجع الثقة في المؤسسات العمومية.
تسع مناطق من أصل عشر شهدت التدهور الأكبر عالميًا توجد في تونس
من بين عشرين منطقة فرعية عرفت أسوأ تدهور بيئي بين 2019 و2024، كانت تسع منها في تونس، بينها ولاية منوبة التي سجّلت «أكبر تدهور بيئي محلي في العالم». ويُرجع التقرير هذا التدهور إلى زيادة بنسبة تقارب 70% في مؤشّر المخاطر المائية الوطني، حيث ارتفعت مستويات الخطر في كل منطقة داخل البلاد.

مخزون السدود تراجع بـ27% عام 2024
بحسب التقرير، انخفضت احتياطات المياه في السدود بنسبة 27% بحلول 2024، وأصبحت كافة مناطق البلاد مصنّفة ضمن مناطق الخطر المتوسط. كما وثّق المرصد الوطني للمياه أكثر من 2100 انقطاع مفاجئ للمياه خلال العام نفسه، تجاوزت مدة العديد منها عشر ساعات.
من أزمة بيئية إلى قضية عدالة اجتماعية
يؤكد التقرير أن شحّ المياه في تونس لم يعد مسألة مناخية فحسب، بل تحوّل إلى أزمة مؤسساتية واجتماعية. فقد تسببت الانقطاعات المتكررة وغياب العدالة في توزيع المياه في 186 احتجاجًا اجتماعيًا سنة 2024، معظمها خلال فصل الصيف. ويشير إلى أن القطاع الفلاحي يستهلك نحو 74% من الموارد المائية، غالبًا في زراعات موجهة للتصدير، ما يترك كميات محدودة للاستهلاك المنزلي.
تراجع حاد في الإنتاج الفلاحي وارتفاع الأسعار
تعتمد الزراعة التونسية على الأمطار بنسبة كبيرة، إذ لا تتجاوز المساحات المروية 9% من الأراضي المزروعة. وقد أدى الجفاف إلى انخفاض إنتاج القمح بنسبة الثلثين بين 2022 و2023، ما اضطر البلاد إلى زيادة وارداتها. ونتيجة لذلك، تضاعفت أسعار المواد الغذائية تقريبًا منذ 2021، وهو ما فاقم من الصعوبات المعيشية للأسر.
تحذير من اتساع نطاق التدهور البيئي في المنطقة
أشار التقرير إلى أنّ تونس تمثل جزءًا من “حزام التدهور البيئي” الممتد من شمال غرب إفريقيا إلى سواحل غرب القارة، وأنّ أربعًا من أكثر خمس دول تدهورًا في مؤشّر المياه تقع ضمن هذا الإقليم. كما حذّر من أنّ استمرار ضعف الاستثمارات في البنية التحتية المائية قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية أوسع في منطقة المغرب العربي.
وختم التقرير بالتأكيد على أن أزمة المياه في تونس ليست تحديًا محليًا بل تهديدًا إقليميًا عابرًا للحدود، خاصة مع ارتباط نهر مجردة بين الجزائر وتونس كمصدر رئيسي للمياه، داعيًا إلى تحرك عاجل لتعزيز المرونة البيئية وبناء بنية تحتية مائية مستدامة.
المصدر: The 2025 Ecological Threat Report (ETR) – معهد الاقتصاد والسلام (Institute for Economics and Peace)، نوفمبر 2025.

