أظهر تقرير عدم المساواة في العالم 2026، الصادر عن World Inequality Lab، أن تونس تواجه تحديات كبيرة في توزيع الثروة، حيث يتركز الجزء الأكبر لدى أقلية صغيرة من السكان، خاصة في المدن الكبرى وبين أصحاب الشركات الكبرى ومالكي العقارات، بينما تمتلك الفئات الفقيرة والريفية حصة ضئيلة جدًا من الثروة الوطنية. التقرير يعتمد على بيانات قاعدة بيانات عدم المساواة العالمية (WID) ويشير إلى استمرار الفجوة بين الأغنياء والفقراء رغم بعض التحسن الطفيف في معدلات الفقر خلال 2025-2026.

تشير الأرقام إلى أن 10٪ من السكان يمتلكون نحو 60 إلى 65٪ من الثروة الوطنية، في حين يمتلك النصف الأدنى من السكان حوالي 5 إلى 10٪ فقط. هذه الفجوة تظهر بوضوح في المدن الكبرى مثل تونس العاصمة وصفاقس وسوسة، حيث يتركز أغنى السكان. الثروة في تونس غالبًا ما تكون مرتبطة بالملكية العقارية والاستثمارات الكبرى، بالإضافة إلى الدخل العالي المرتبط بالتعليم العالي أو الوظائف في القطاعين العام والخاص.
أما الفئات الفقيرة، فتتركز غالبًا في المناطق الريفية التي تعاني من ضعف الفرص الاقتصادية، مما يزيد من التفاوت بين الحضر والريف. ورغم برامج الحماية الاجتماعية مثل برنامج ” أمان” للتحويلات النقدية الذي وصل إلى نحو 10٪ من السكان وساهم في الحد من الفقر وعدم المساواة، إلا أن تأثيره على توزيع الثروة الكلي محدود.
وتظهر بيانات التقرير أيضًا أن مؤشر ” جيني -نسبة للاقتصادي الايطالي كورادو جيني- لتونس ارتفع من 32.8 في 2015 إلى 33.7 في 2021، مما يعني زيادة طفيفة في عدم المساواة بين السكان خلال السنوات الأخيرة. أما معدلات الفقر الرسمي فبلغت 16.6٪ في 2021، وتشير التوقعات لعام 2026 إلى انخفاض طفيف وفقًا لمعايير الدخل المتوسط الأعلى ليصل إلى 14.4٪.
يعكس تقرير 2026 أن تونس لا تزال تواجه تحديات كبيرة في عدم المساواة، حيث تتركز الثروة في يد أقلية صغيرة، بينما يمتلك الفقراء حصة ضئيلة، ورغم بعض التحسن الطفيف في الفقر، إلا أن التفاوت بين الأغنياء والفقراء يبقى واضحًا. التقرير يشير إلى أهمية تعزيز سياسات العدالة الاجتماعية، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، وتحسين الفرص الاقتصادية في المناطق الريفية لتقليص هذه الفجوة الاقتصادية والاجتماعية.

وكان سفير الاتحاد الأوروبي السابق بتونس أشار في مقابلة مع جريدة لوموند الفرنسية يوم 21 اوت 2021 إلى وجود لوبي عائلات تتحكم في الاقتصاد التونسي، محذراً من أن هذا اللوبي يمنع أي منافسة ويهيمن على السوق، معتبرًا أن المؤسسات الصغيرة ورواد الأعمال الشباب يمثلون تهديداً لمصالحهم.
وأضاف أن المنوال الاقتصادي الحالي في تونس مبني على منفعة بعض الأعيان، الذين وصفهم بأنهم “ورثوا قطاعات اقتصادية منذ العهد العثماني”، وأنهم يقفون ضد أي محاولة لإرساء الشفافية والحوكمة في القطاع الاقتصادي.
وتابع السفير الأوروبي: “يجب إعادة توزيع الثروات في تونس، لأن المنوال الحالي يؤدي إلى إثراء بعض العائلات على حساب الطبقة الوسطى”، مؤكداً أن هذا الوضع يساهم في تفاقم الفوارق الاجتماعية ويقوض فرص التنمية العادلة.
كما أشار إلى حالة واقعية تتعلق بصادرات زيت الزيتون، قائلاً إن الاتحاد الأوروبي سمح لتونس سنة 2018 بتصدير 30 ألف طن إضافية من زيت الزيتون، لكن على شكل قوارير وليس حاويات كبيرة، بهدف تشجيع التصدير ودعم المؤسسات الصغيرة. وأضاف: “لم يتم الاستفادة من هذه الحصة، لأن المصدرين الكبار خشوا أن يسمح استخدام معامل تونسية للتعليب للمؤسسات الصغيرة بمنافسة احتكارهم لسوق التصدير”.
واختتم السفير حديثه بالإشارة إلى موضوع هجرة العقول، موضحاً أن ما يوصف بـ”هجرة الأدمغة” ليس طوعياً، بل أن الشعب التونسي يُدفع بكل الطرق إلى المغادرة لكي لا ينافس في الأسواق المحلية ويستثمر في الاقتصاد، بما يضمن استمرار سيطرة اللوبيات على جميع القطاعات الحيوية.

