كشف التقرير السنوي الصادر عن المرصد الإفريقي للتنمية والتأهيل،(Observatoire Africain du Développement et de la Réhabilitation) وهو هيئة تُعنى برصد ديناميات الهجرة في القارة، عن تموقع تونس في المرتبة التاسعة إفريقيًا من حيث استقبال المهاجرين غير النظاميين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وأرجع التقرير هذا الترتيب إلى التحديات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية المتفاقمة التي تُقيد قدرات الدولة التونسية على الاستقبال والإدماج، رغم تنامي حركة العبور عبر الأراضي التونسية، ووجود بعض الهياكل الإدارية المعنية بتسيير ملفات اللجوء.
وفي محور طلبات اللجوء، جاءت تونس في المرتبة السادسة قارياً، بفضل توفر أجهزة أولية لمعالجة الملفات، وإن كانت هذه الهياكل تعاني من محدودية الموارد والنجاعة في الأداء، ما يجعل معالجتها للمطالب بعيدة عن المعايير الدولية، حسب تقييم المرصد.
في المقابل، احتل المغرب موقعًا متقدمًا ضمن المؤشر العام، حيث جاء ثانيًا بعد جنوب إفريقيا في استقبال المهاجرين غير النظاميين، وثالثًا في استقبال طالبي اللجوء بعد كل من جنوب إفريقيا وأوغندا. وبحسب التقرير، فإن المغرب بات يشهد تزايدًا مطّردًا في أعداد الوافدين من بلدان الساحل والصحراء، خاصة عبر محوري الهجرة الغربية والوسطى، إذ بلغ عدد المقيمين غير النظاميين نحو 87 ألفًا، بينهم أكثر من 6 آلاف قاصر، خلال الفترة الممتدة بين 2019 و2023.
وأشار التقرير إلى تسجيل أكثر من 12 ألف طلب لجوء في المغرب سنة 2023 فقط، مع تقديرات تؤكد أن نحو 25 ألف مهاجر تمكنوا من الاندماج نسبيًا في المجتمع المغربي، مستفيدين من برامج التسوية القانونية ومبادرات الإدماج في التعليم والرعاية الصحية.
غير أن التقرير نبّه في المقابل إلى أن هذه البرامج، على أهميتها، ما تزال قاصرة عن بلوغ تغطية شاملة، خصوصًا فيما يتعلّق بـفرص التشغيل والسكن، ما يدفع أكثر من 40 ألف مهاجر إلى اعتبار المغرب محطة عبور نحو أوروبا بدل أن يكون وجهة نهائية للاستقرار.
وبخصوص بقية بلدان المغرب الكبير، جاءت الجزائر في المرتبة الخامسة على صعيد استقبال المهاجرين غير النظاميين، متقدمة على تونس، لكن التقرير انتقد غياب سياسة فعالة لاحتواء هذه الظاهرة، رغم الامتداد الجغرافي الكبير وحدودها المفتوحة مع مناطق مضطربة. أما ليبيا، فقد حلت في المرتبة السابعة، لكنها تذيّلت الترتيب فيما يخص معالجة طلبات اللجوء، بسبب غياب البنيات المؤسسية وانهيار المنظومة الأمنية.
وخلص التقرير إلى أن دول المغرب الكبير، رغم اشتراكها في الجغرافيا والمخاطر الأمنية، تفتقر إلى استراتيجية مغاربية موحدة لمقاربة ملف الهجرة واللجوء. وفي حين تتقدم بعض الدول جنوب الصحراء، كأوغندا ونيجيريا، بخطى ثابتة نحو منظومات إدماج أكثر فعالية، لا تزال منطقة المغرب الكبير تتخبط بين تعاط أمني بحت وتردد في تطوير سياسات عمومية دامجة.
ودعا المرصد في نهاية تقريره إلى ضرورة إرساء تعاون إقليمي بين دول شمال إفريقيا لتقاسم الخبرات، وتجاوز المقاربات التقليدية، وتوفير حماية إنسانية للمهاجرين، دون المساس بالسيادة الوطنية ولا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.

