في تقرير رفع إلى أعضاء الكونغرس الأميركي أواخر ماي الماضي، سلّطت الإدارة الأميركية الضوء على تعقيدات المشهد الليبي، محذّرة من تصاعد التدخلات الأجنبية واستمرار الانقسام الداخلي، في ظل صراع متنامٍ على مليارات الدولارات من أصول ليبيا المجمدة في الخارج منذ عهد العقيد معمر القذافي.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة أعادت تفعيل قنوات الاتصال مع مختلف الأطراف الليبية، بما في ذلك شخصيات مثيرة للجدل يُشتبه في تورطها في قضايا فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان. كما شمل التواصل أطرافًا سبق لها محاولة السيطرة على ليبيا عسكريًا بدعم مباشر من روسيا، مما دفع بعض أعضاء الكونغرس سابقًا للمطالبة بفرض عقوبات على تلك الجهات.
وأكد التقرير أن عدة دول أجنبية تسعى لفرض نفوذها في ليبيا، وفي مقدمتها مصر و تركيا والإمارات وروسيا وفرنسا وإيطاليا، وهو ما يؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي المحلي، ويغذي الانقسام بين القوى الليبية المتنازعة، بل ويُسهم أحيانًا في حالة الجمود السياسي.
ورغم هذا الزخم الدولي، أقر التقرير بأن النفوذ الأميركي في ليبيا يبدو محدودًا مقارنةً بتأثير هذه الدول، خاصة في ظل العلاقات المعقدة التي تربط واشنطن بكل طرف على حدة.
ومن بين أبرز التحديات التي أوردها التقرير، استمرار الوجود العسكري الروسي في شرق وجنوب ليبيا، والذي يشكّل مصدر قلق للمخططين العسكريين في الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو). كما رُصدت شحنات أسلحة روسية إلى ليبيا، يرافقها وصول عناصر من ما يُعرف بـ”الفيلق الروسي”، خاصة بعد تراجع موسكو في الساحة السورية.
في المقابل، تواصل تركيا تقديم الدعم العسكري لحكومة طرابلس، حيث يوفّر مستشاروها العسكريون التدريب والمساندة للقوات في الغرب الليبي. وقد مددت أنقرة وجودها العسكري في البلاد حتى عام 2026.
وكشف التقرير أن أطرافًا ليبية، سواء في الشرق أو الغرب، جنّدت مقاتلين أجانب من سوريا وتشاد والسودان، في ما يعكس الطابع الدولي المتزايد للنزاع الليبي.
أما على صعيد السياسة الأميركية، فقد أُجريت مؤخرًا تعديلات على برامج المساعدات، أدت إلى إنهاء بعض المبادرات التي أُطلقت ضمن خطة GFA الممتدة لعشر سنوات والتي دخلت حيّز التنفيذ في مارس 2023.
ورغم هذه التعديلات، خصّص الكونغرس تمويلًا جديدًا يمكن توجيهه إلى برامج الحماية الأمنية العالمية (WSP) والمبادرات الخارجية (OP)، لدعم جهود استئناف العمليات الدبلوماسية الأميركية في ليبيا.
ويُتوقّع أن يسعى الكونغرس إلى لعب دور أكبر في مراقبة وتوجيه سياسة الإدارة الأميركية تجاه ليبيا، سواء من خلال دعم المساعدات، أو تعزيز التواصل مع الأطراف الليبية، أو بحث آليات التصرف في الأصول الليبية المجمدة، بالإضافة إلى دراسة إمكانية عودة البعثة الدبلوماسية الأميركية إلى البلاد.

