في الوقت الذي تحاول فيه فريقيا تعزيز مكانتها في النظام المالي العالمي، كشف تقرير الآلية الإفريقية للتقييم الذاتي لعام 2024 عن الهوة المتزايدة بين البلدان الإصلاحية والدول الغارقة في أزمات بنيوية، ما يؤكد الحاجة الملحة إلى الحكامة الاقتصادية المتجددة.
في الوقت الذي تسعى فيه إفريقيا إلى تأكيد مكانتها في البنية المالية العالمية، كشف أحدث تقرير صادر عن الآلية الإفريقية للتقييم الذاتي بشأن التصنيفات الائتمانية في نهاية عام 2024 عن مشهد متناقض. وفي حين شهدت إحدى عشرة دولة تحسنا في تصنيفاتها أو تمت مراجعة توقعاتها بشكل إيجابي، تراجع تصنيف ست دول أخرى، مما يعكس التحديات البنيوية المستمرة. لنحلل هذه الديناميات، ونكتشف العوامل الرئيسية، والرهانات، والآثار المترتبة على الحكامة الاقتصادية للقارة.
وشهد النصف الثاني من عام 2024 تباعدا واضحا في مسارات الائتمان للدول الأفريقية. أما الدول الحادية عشرة التي شهدت تحسنا في تصنيفها أو توقعاتها فهي الرأس الأخضر والكونغو وساحل العاج ومصر وإسواتيني وإثيوبيا وغانا وتونس وبنين وجنوب أفريقيا والطوغو. أما البلدان الستة التي شهدت تراجعا فهي الكونغو والغابون وكينيا وموزامبيق والسنغال وأوغندا. وكما نلاحظ، تظهر الكونغو في القائمتين لأن تصنيفها الائتماني تم ترقيته من قبل وكالة فيتش، ولكن تصنيفها تم تخفيضه من قبل وكالتي ستاندرد آند بورز وفيتش.
واستفادت تونس (فيتش: من CCC- إلى CCC+) والرأس الأخضر (ستاندرد آند بورز: من B- إلى B) من تصنيف سياسي أكثر إيجابية. وتجنبت تونس التخلف عن سداد ديونها من خلال إعادة التفاوض على التزاماتها المتعلقة بالديون مع الاتحاد الأوروبي، في حين عملت الرأس الأخضر على تنويع مصادر تمويل السياحة. ولكن هذه التحسينات تبقى هشة، إذ يشير التقرير إلى أن «الوكالات تؤكد على خطر كبير للانتكاس في حالة حدوث صدمة خارجية». وينطبق الأمر نفسه على الكونغو (فيتش: من RD إلى CCC+) التي خففت مؤقتا مخاوف التخلف عن السداد من خلال إعادة التفاوض على الديون.
يكشف التقرير أيضا مفارقة: يرتبط التحسن بـ«زيادة الثقة في الإدارات »، بدلا من تحقيق تحسن ملموس في الأساسيات. فعلى سبيل المثال، تستفيد بنين (ستاندرد آند بورز: B مع نظرة إيجابية) والطوغو (موديز: B3 مستقر) من التفاؤل بشأن إصلاحاتها البنيوية، على الرغم من الديون العمومية المرتفعة (55 % و68 % من الناتج الداخلي الخام على التوالي). وعلى العكس من ذلك، تعكس تخفيضات التصنيف انعدام الثقة، كما هو الحال في كينيا حيث « كان العجز الملحوظ عن تدبير التوترات الاجتماعية أكثر أهمية من المؤشرات الكلية»، وفقا لتحليلات أحد الخبراء التي نقلتها الآلية الأفريقية للتقييم الذاتي.
وعلى الرغم من العودة إلى الأسواق في عام 2024 (إصدار 13.45 مليار دولار أمريكي)، تضاعفت أسعار الفائدة منذ عام 2021. وأصدرت نيجيريا 2.2 مليار دولار أمريكي بنسبة 9.625% و10.375%، مما يعكس علاوة مخاطر عالية. ويؤكد التقرير أن «الإفراط في الاكتتاب لا ينبغي أن يخفي الحاجة الملحة إلى إعادة التفاوض على الشروط»، منتقدا النقابات البنكية التي ترفع من أرباحها على حساب الدول.
وتُتَّهَمُ الوكالات بـ«الذاتية» في تقييمها للمخاطر الأفريقية. فرضت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية عقوبات على وكالات موديز وستاندرد آند بورز وفيتش بسبب عدم امتثالها للاحتفاظ بالاتصالات الإلكترونية، مما أثار تساؤلات حول صرامة العمليات. وأكد الآلية الأفريقية للتقييم الذاتي أن « هذه نقاط الضعف تتفاقم في أفريقيا، حيث الأطر التنظيمية أقل صلابة ».