الرئيسيةآخر الأخبارتنامي الهجرة التونسية نحو فرنسا ....ولكن

تنامي الهجرة التونسية نحو فرنسا ….ولكن

كشف مرصد الهجرة والديموغرافيا القريب من اليمين المتطرف في تقرير له اليوم 23 أوت 2025 أنه منذ أكثر من عقدين، تشهد الهجرة التونسية نحو فرنسا نمواً متسارعاً جعلها من أبرز تيارات الهجرة القادمة من المغرب العربي. لكن هذا الحضور المتزايد لا يخلو من إشكاليات جدية، سواء على صعيد الاندماج الاجتماعي والمهني أو في ما يتعلق بانعكاساته على الاقتصاد الفرنسي.

وتظهر البيانات أن التونسيين المقيمين في فرنسا لا يزالون يواجهون صعوبات كبرى في سوق الشغل. فبينما يبلغ معدل التوظيف العام في فرنسا نحو 69% (للفئة العمرية 15-64 سنة)، فإن معدل تشغيل المهاجرين يقتصر على 62%، أي بفارق 7 نقاط كاملة. هذا الخلل يعني أن شريحة واسعة من المهاجرين التونسيين في سن العمل تبقى خارج الدورة الاقتصادية، إما في حالة بطالة أو في وضعية عدم نشاط.

المعهد الوطني للإحصاء الفرنسي (INSEE) يؤكد أن 27% من المهاجرين من الجيل الأول – وبينهم نسبة هامة من التونسيين – لا يزاولون أي نشاط اقتصادي أو تعليمي أو حتى تقاعدي، وهي نسبة تعادل ضعف المعدل المسجّل لدى الفرنسيين من دون خلفية مهاجرة. الأخطر من ذلك أنّ 24% من الشباب المنحدرين من أصول مهاجرة، ومن ضمنهم أبناء الجالية التونسية، يوجدون خارج العمل والدراسة والتكوين، وهو ثاني أعلى معدل في أوروبا بعد بلجيكا.

— تنامي الهجرة التونسية نحو فرنسا ....ولكن

يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الأرقام تكشف اختلالاً بنيوياً: فبينما تعاني فرنسا من نقص في اليد العاملة الصناعية والفنية المتخصصة، تبقى غالبية المهاجرين – ومن ضمنهم التونسيون – محصورة في وظائف منخفضة القيمة المضافة أو في بطالة طويلة المدى. يعود ذلك إلى صعوبة معادلة الشهادات، وضعف الولوج إلى القطاعات التقنية المؤهلة، وأحياناً إلى التمييز غير المعلن في سوق العمل. النتيجة هي أن الهجرة التونسية، في شكلها الحالي، لا تلبي حاجيات الاقتصاد الفرنسي من العمالة الماهرة، بل تعمّق الهوة بين العرض المتاح والطلب الحقيقي.

الفشل في إدماج المهاجرين في الدورة الإنتاجية يترجم مباشرة في أرقام المالية العمومية. التقديرات تشير إلى أنه لو كان للمهاجرين نفس معدل التشغيل مثل باقي السكان، لكان الناتج الداخلي الخام أعلى بحوالي 98 مليار يورو سنة 2024، فيما كان عجز الميزانية أقل بنحو 1,5 نقطة من الناتج المحلي الإجمالي. بعبارة أخرى، استمرار ضعف التشغيل لدى المهاجرين – ومن ضمنهم التونسيون – يفرض كلفة ثقيلة على الاقتصاد، سواء من خلال تقلص المساهمة في النمو أو من خلال ارتفاع أعباء المساعدات الاجتماعية.

الجدل الدائر في فرنسا حول الهجرة يضع التونسيين في قلب معادلة معقدة: من جهة، يقدَّم تدفقهم على أنه رافد بشري مهم نظراً للروابط التاريخية والثقافية بين البلدين، ومن جهة أخرى يبرز كعامل يفاقم الأزمات الاجتماعية والمالية عندما يغيب الاندماج الاقتصادي.

الحصيلة إلى حد الآن تكشف عن معضلة مزدوجة: هجرة كثيفة دون مردودية اقتصادية كافية، وسوق عمل فرنسي يئن تحت الضغط دون أن يستفيد بالكامل من الطاقات البشرية القادمة من الخارج. وبينما يُطرح ملف الهجرة أحياناً كحل لنقص اليد العاملة، تكشف الأرقام أن المشكلة تكمن في كيفية الاستفادة من هذه اليد العاملة، لا في عدد الوافدين.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!