الرئيسيةآخر الأخبارتونس تستعيد من جديد آلية "مقايضة الديون" : ما رأي الدائنين

تونس تستعيد من جديد آلية “مقايضة الديون” : ما رأي الدائنين

تستعيد تونس من جديد آلية “مقايضة الديون” كأداة مبتكرة لتمويل مشاريع تنموية، بعد أن خاضت تجارب سابقة مع كلّ من ألمانيا والسويد وإيطاليا منذ بداية الألفية، وجعلت منها وسيلة مزدوجة لتخفيف عبء المديونية الخارجية، ودفع الاستثمار العمومي في قطاعات حساسة كالتعليم، والصحة، والبنية التحتية.

وفي سياق اقتصادي واجتماعي دقيق، أقرّ مجلس وزاري مضيّق برئاسة رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، اليوم الثلاثاء 5 أوت 2025، التفاعل مع مبادرة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، التي تقترح آلية جديدة لمقايضة جزء من الديون الثنائية مع شركاء دوليين مقابل توجيه تلك الموارد نحو مشاريع تنموية ذات بعد مناخي واجتماعي.

لم تكن هذه الآلية غريبة عن تونس. فقد سبق لها خلال العقدين الأخيرين أن أبرمت اتفاقات “ديون مقابل تنمية” مع عدد من الدول الأوروبية، من بينها:

  • ألمانيا: خصصت اتفاقات المقايضة لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة والتكوين المهني.
  • السويد: دعمت برامج الصحة العامة والمياه في المناطق الداخلية.
  • إيطاليا: أُعيد توظيف جزء من ديونها في مشاريع محلية صغرى بعد 2011، في مجالات التشغيل والتنمية الجهوية.

ورغم محدودية هذه البرامج من حيث الحجم، فقد مكنت من تمويل مشاريع ملموسة وساهمت في دفع التعاون الثنائي مع دول مانحة.

الإسكوا: نحو مقايضة خضراء للمستقبل

المبادرة الجديدة التي طرحتها “الإسكوا” تأخذ هذا التوجه خطوة أبعد، من خلال ربط مقايضة الديون بتنفيذ مشاريع تتكيّف مع التغيرات المناخية وتخدم أهداف التنمية المستدامة.

وتهدف هذه الآلية إلى:

  • إعادة توجيه دفوعات الدين الخارجي الثنائية نحو مشاريع محلية.
  • تمويل مبادرات في مجالات المياه، الطاقات المتجددة، التطهير، حماية الغابات والسواحل.
  • دعم الفئات الضعيفة وتحسين مستوى عيش سكان المناطق الأكثر هشاشة.
  • خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الإدماج الاقتصادي.

استعرض المجلس الوزاري قائمة أولى للمشاريع المقترحة في إطار المبادرة، وهي مشاريع تم اقتراحها من المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم، بما يعكس توجها نحو لامركزية القرار التنموي وإشراك الجهات في ضبط أولويات المرحلة المقبلة (2026–2030).

ومن بين أبرز المشاريع:

  • دعم منظومة الموارد المائية ومياه الشرب.
  • توسيع شبكة الطاقة المتجددة لبلوغ 35٪ من مزيج الطاقة بحلول 2030.
  • إصلاح منظومة الغابات واستصلاح المناطق المتدهورة.
  • حماية السواحل وتعزيز قدرتها على الصمود المناخي.

التحدي: من التفاوض إلى التنفيذ

رئيسة الحكومة شددت على أن المبادرة تمثل فرصة استراتيجية لتونس، ليس فقط لتقليص الدين، بل لتمويل مشاريع نوعية تندرج ضمن رؤية شاملة للانتقال الاقتصادي والبيئي. كما أكدت أن هذه المبادرة تنسجم تمامًا مع الرؤية التونسية التي تم عرضها مؤخرًا في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية المنعقد في إشبيلية بين 30 جوان و3 جويلية 2025.

لكن التحدي الأكبر لا يزال في إحكام التفاوض مع الدائنين وتحويل المبادرة من تصور نظري إلى اتفاقات فعلية قبل نهاية السنة الجارية، بما يضمن انطلاق المشاريع في الآجال المحددة ووفق مؤشرات أداء قابلة للقياس.

عالميًا، حققت آلية مقايضة الديون نجاحات ملحوظة، كما في تجربة جزر السيشل التي أبرمت اتفاقًا مع نادي باريس لإعادة توجيه جزء من ديونها نحو حماية المحيطات، أو تجربة الإكوادور في حماية غابات الأمازون. هذه النماذج تُظهر أن الآلية قابلة للتنفيذ ومؤثرة، شرط توفر الإرادة السياسية، والحكم الرشيد، والشراكات الفعالة.

في خاتمة أعماله، أوصى المجلس الوزاري بـ”تجسيم المبادرة والإسراع في التفاوض مع الشركاء الدوليين لإبرام اتفاقات المقايضة قبل موفى 2025″، والانطلاق في استثمارات تنموية ملموسة تسهم في تحسين سبل العيش، وخفض الفقر، وتضييق فجوة التفاوت بين الجهات.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!