يثير حديث «الأرقام القياسية» في السياحة التونسية، خاصة رقم 11 مليون سائح، موجة من التفاؤل الرسمي والإعلامي، لكن هل يعكس هذا الرقم حقيقة ما يجري داخل القطاع؟ أم أننا أمام قراءة انتقائية تُخفي أكثر مما تُظهر؟
تدوينة الخبير في إدارة المشاريع نعمان التومي تفتح باب الأسئلة الصعبة التي طالما تم تجنبها.
ما هي الطاقة الحقيقية للسياحة التونسية؟
وفق المعهد الوطني للإحصاء، لا تتجاوز الطاقة القصوى للوحدات الفندقية في تونس 230 ألف سرير. ولو افترضنا – جدلًا – نسبة امتلاء بـ100% على امتداد السنة، وهو سيناريو شبه مستحيل، فإن أقصى ما يمكن بلوغه هو نحو 11 مليون سائح بمعدل إقامة 7 ليالٍ لكل سائح، أي ما يعادل 77 مليون ليلة.
لكن هل هذا ما يحدث فعليًا؟
أين نسب الإشغال الحقيقية؟
الأرقام الرسمية نفسها تُظهر أن أعلى نسبة إشغال سنوية خلال السنوات العشر الأخيرة لم تتجاوز 58% في ولاية المنستير، بينما تنزل النسب إلى أقل من 20% في ولايات مثل توزر، قفصة، بنزرت والقصرين.
فهل من الواقعي الحديث عن معدل وطني بـ50%؟
وهل يصدق أهل القطاع أن النسبة الفعلية اليوم تتجاوز 30%؟
إذا كانت الليالي 25 مليون فقط… فمن أين جاء 11 مليون سائح؟
عدد الليالي المقضاة في النزل سنة 2025 يناهز 25 مليون ليلة.
وهنا تطرح أسئلة محرجة:
- هل يعقل أن معدل إقامة السائح أقل من ليلتين ونصف؟
- أم أن عدد السياح الحقيقي لا يتجاوز 5 ملايين بمعدل إقامة في حدود 5 ليالٍ؟
الفرضية الثانية تبدو الأقرب إلى الواقع، وهو ما يفتح سؤالًا أكبر:
ماذا يمثل رقم 11 مليون فعلًا؟
هل نخلط بين السائح والمسافر؟
رقم 11 مليون لا يعكس عدد السياح بالمعنى الاقتصادي، بل عدد سفرات الدخول إلى تونس برًا وبحرًا وجوًا.
تونس تضم أكثر من مليوني تونسي مقيم بالخارج، يقومون سنويًا بملايين التنقلات، إضافة إلى تنقلات مواطني دول الجوار للعلاج أو الزيارات العائلية خارج المسار الفندقي.
فهل من الدقة احتساب كل هؤلاء ضمن «السياحة»؟
ما المؤشرات التي يجب أن نقلق بشأنها فعلًا؟
بدل الاحتفاء برقم إجمالي فضفاض، ألا يجدر التركيز على مؤشرات أكثر صدقًا؟
- نسبة إشغال الوحدات الفندقية
- عدد الليالي المقضاة لكل سائح
- معدل إنفاق السائح في الليلة الواحدة
و في ختام تدوينته يتساءل السيد نعمان التومي لماذا لا تناقش هذه المؤشرات بوضوح؟
هل لأنها تكشف واقعًا غير مريح: قطاع سياحي لم يعرف تحولًا هيكليًا منذ أكثر من 20 سنة، وما يزال أسير نموذج «الكل داخل النزل» وضعف القيمة المضافة؟

