منذ مهمته الأولى في الكونغو عام 1960، شارك الجيش التونسي في حوالي عشرين مهمة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة. وتظل تلك التي نُفذت في رواندا، في خضم الإبادة الجماعية آنذاك، بلا شك الأكثر أهمية، سواء على المستوى العملي أو الإنساني.
ففي شهادة مؤثرة نشرها الجنرال الكندي المتقاعد روميو دالير، القائد السابق لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في رواندا (مينوار)، أثنى بشدة على الدور البطولي الذي أدّاه الجنود التونسيون خلال فترة الإبادة الجماعية في رواندا سنة 1994، مؤكداً أنهم “لم يخذلوه يوماً” وظلوا “الورقة الرابحة ورأس الحربة” في مهمته الصعبة.
الجنرال دالير، الذي تولّى قيادة البعثة الأممية منذ تشكيلها في أكتوبر 1993 وحتى يوليو 1994، اعتبر الجنود التونسيين نموذجاً للانضباط والشجاعة والتفاني، خاصة في ظل الظروف العصيبة التي واجهوها في منطقة البحيرات الكبرى.
وفي كتابه الشهير “Shake Hands With the Devil”، والذي أصبح من أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم، خصّ الجنرال دالير كتيبة الجنود التونسيين بكلمات إشادة لافتة، وكتب:
“كان التونسيون من بين الجنود الذين تطوعوا لتمديد خدمتهم العسكرية من أجل البقاء في رواندا. يمثلون فعلاً تعريف الجنود المحترفين، بقيادة ضابط قدوة وهو المقدم بلقاسم مفرج. كانوا فريقي المثالي، وكلما زرتهم، سواء في المنطقة المنزوعة السلاح أو أثناء الحرب، لم أجدهم إلا ملتزمين بشدة بمهمتهم.”
ويضيف دالير:
“لن أنسى وداعي لهؤلاء الرجال في مدرج المطار، حين شكرتهم على تضحياتهم في أيام خطرة للغاية في أواخر 1993. لو كنا نملك قوة مثلهم، لكنا واجهنا أي تحدٍ في المنطقة.”
وعن لقائه الأخير مع العقيد المتقاعد بلقاسم مفرج في كندا، أعرب دالير عن سعادته البالغة برؤية صديقه القديم مجدداً وتكرار عبارات الشكر له ولقواته.
وأكد أن التونسيين لم يتوانوا عن أداء واجبهم، وكانوا مثلاً في الانضباط والشجاعة، قائلاً:
“لا يمكنني التأكيد بما فيه الكفاية على شجاعة التونسيين. لم يقصّروا يوماً في أداء الواجب، وأظهروا أعلى مستويات الانضباط في مواجهة المهام الخطرة والصعبة.”

