بعد ساعات قليلة عن نشر مقال يكشف عن تورط الاستخبارات الغربية مع جهاز الموساد الاسرائيلي في اغتيال عدد كبير من القيادات الفلسطينية ممن يتهمهم الكيان الصهيوني بالمشاركة في عملية مونيخ سنة 1972 سحبت صحيفة هارتس هذا المقال دون تقديم أية أسباب لذلك
ويبدو أن كاتب المقال اعتمد على كتاب أفيفا غوتمن بعنوان “عملية غضب الرب: التاريخ السري لاستخبارات أوروبا وحملة اغتيالات الموساد”، الذي سيصدر في أوت 2025 عن دار نشر جامعة كامبريدج، ويقدم الكتاب تحليلًا مفصلًا حول عمليات الموساد في أوروبا والتعاون السري مع أجهزة الاستخبارات الأوروبية عبر ما يسمى بنادي برن .
تأسس نادي برن عام 1969 وضمّ أجهزة من سويسرا، وألمانيا الغربية، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، والنمسا، وهولندا، وبلجيكا. ومن خلال نظام التلكس المشفر “كيلووات” الخاص بالنادي، توسّعت الشبكة لاحقًا لتشمل الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وأيرلندا، وإسبانيا، والسويد، والنرويج، وإسرائيل، عبر الموساد وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”.

في مقابلة مع صحيفة هآرتس،قبل حجبها كشفت الدكتورة غوتمان أنه في الاتصالات الداخلية للنادي، كان يُطلق على الموساد اسم “أوربيس” وعلى الشاباك اسم “سبيديس”.
وخلافًا للأسطورة التي تُصوّر الموساد كقوة ضاربة، اعتمد الجهاز بشكل كبير على الاستخبارات الأوروبية. قدّم نادي برن بيانات رئيسية وشاركها، بما في ذلك عناوين المشتبه بهم، وأرقام لوحات السيارات، وسجلات الرحلات الجوية، وفواتير الفنادق، وسجلات المكالمات الهاتفية.
ونقرأ في مقدمة الكتاب في هذا التاريخ غير المسبوق للتعاون الاستخباراتي خلال الحرب الباردة، تكشف أفيفا غوتمن الدور الرئيسي لأجهزة الاستخبارات الأوروبية في تسهيل عملية “غضب الله” التي شنّها الموساد. وتكشف كيف طارد الموساد، في أعقاب عملية أولمبياد ميونيخ عام 1972 فلسطينيين يُشتبه في مشاركتهم في التخطيط والتنفيذ وقتلهم بتعاون أوروبي فاعل.
ومن خلال وصولها الفريد إلى وثائق غير منقّحة في أرشيف نادي برن، تُظهر كيف زوّد تحالف سري من أجهزة الاستخبارات الموساد بمعلومات عن الفلسطينيين على نطاق واسع، ودعم ضمنيًا العمليات السرية الإسرائيلية على الأراضي الأوروبية. ساعدت هذه الأجهزة في توقع وإحباط عدد من المؤامرات الإرهابية الفلسطينية، بما في ذلك بعض ما كُشف عنه هنا لأول مرة. يُعيد هذا الكتاب الاستثنائي بناء العالم الخفي للاستخبارات الدولية، مُبيّنًا كيف مكّن هذا النظام الموازي من متابعة علاقات الدول بشكل مستقل عن قيود السياسة الخارجية الرسمية أو التدقيق العام. يقدم رؤى جديدة رائدة حول الحرب الباردة العالمية، والعمليات السرية، والإرهاب، والتدخل الأوروبي في الصراع العربي الإسرائيلي.

أطلق الموساد الإسرائيلي واحدة من أكثر حملات الاغتيال السرية طموحًا في التاريخ. خططت غولدا مائير و”اللجنة إكس” السرية للغاية التابعة لمجلس الوزراء الإسرائيلي لحملة انتقامية لهجوم ميونيخ التي انتهت بمقتل عشر إسرائيليًا خلال دورة الألعاب الأولمبية.
كلفت مائير اللجنة بصياغة رد مناسب على ما حصل في ميونيخ. خلصت اللجنة إلى أن الرد الأكثر فعالية هو السماح باغتيال أي من أعضاء أيلول الأسود المتورطين في حادثة ميونيخ.
تولى الموساد مسؤولية تنفيذ توجيه اللجنة. ولتحقيق هذا التوجيه، شكّل الموساد عدة فرق اغتيال، لكل منها معايير مهمة وأساليب عمل محددة. شكّل عنصر مقر الموساد فريقًا واحدًا يضم ضباط عمليات الأركان، مدعومين بعناصر مجندة من المحطات الإقليمية، وأُدير الفريق وفقًا لإجراءات مقر الموساد القياسية. بينما قامت وحدة ثانية بتجنيد ضباط أركان ومتخصصين مدربين تدريبًا عاليًا ووضعتهم خارج نطاق سيطرة الحكومة. كانت الفكرة هي دعم هذا الفريق ماليًا عبر آليات سرية، والسماح له بالعمل بسرية تامة خارج إطار الحكومة.
وخلال الأشهر التالية تم اغتيال 4 آخرين هم باسل الكبيسي في باريس وحسين البشير في قبرص وزياد مونشاسي في اليونان ومحمد بودية في باريس وعاطف بسيسو في باريس .
***مؤلفة الكتاب “عملية غضب الله: التاريخ السري لاستخبارات أوروبا وحملة اغتيالات الموساد” هي الدكتورة أفيفا غوتمن، أستاذة في مجال الاستراتيجية والاستخبارات في قسم السياسة الدولية بجامعة أبيريستويث في المملكة المتحدة. قبل انضمامها إلى جامعة أبيريستويث، عملت كباحثة في مجموعة الاستخبارات والأمن في كلية كينغز لندن، وزميلة أبحاث ماريا كوري في مركز دراسات الحرب بجامعة جنوب الدنمارك.
الدكتورة غوتمن هي مؤسسة ورئيسة شبكة الاستخبارات النسائية (WIN)، وهي شبكة تهدف إلى ربط وتعزيز مكانة الباحثات والممارسات في مجال دراسات الاستخبارات. تركز أبحاثها على العلاقات الدولية لوكالات الاستخبارات، والعمليات السرية، ومكافحة الإرهاب في أوروبا والشرق الأوسط خلال وبعد الحرب الباردة.
لديها خبرة مهنية تمتد لثلاث سنوات في إصلاح قطاع الأمن، حيث عملت في السفارة السويسرية في نيجيريا، وفي المركز الجنوبي للديمقراطية في القوات المسلحة (DCAF)، حيث أدارت مشاريع التعاون الأمني في منطقة البلقان الغربية.

