أصدر معهد “إلكانو” الملكي الإسباني مؤخرًا تقريره السنوي لمؤشر الحضور العالمي لعام 2024، وهو مؤشر يُقاس فيه مدى انخراط الدول في الساحة الدولية بناءً على ثلاثة أبعاد رئيسية: البُعد الاقتصادي، البُعد العسكري، والبُعد الناعم (الثقافي، العلمي، التعليمي، التكنولوجي…).
في هذا السياق، احتلت تونس المرتبة 74 عالميًا من أصل 150 دولة مشمولة في التقرير، محققةً مجموعًا قدره 16.4 نقطة، وهو ما يعكس حضورًا دوليًا متوازنًا نسبيًا، وإن ظل دون طموحات الدولة في تفعيل دورها الإقليمي والدولي.اذ حلت في المركز الرابع في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط وقد حلت الجزائر في المتربة 49 فالمغرب المرتبة 52 وليبيا المرتبة 90 .
توزيع الحضور حسب الأبعاد
وفق المعطيات الرسمية، جاء توزيع الحضور الدولي لتونس على النحو التالي:
- البُعد الناعم (Présence douce): 10.8 نقطة (حوالي 66% من الإجمالي)
- البُعد الاقتصادي (Présence économique): 5.2 نقطة (32%)
- البُعد العسكري (Présence militaire): 0.4 نقطة (2%)

هذا التوزيع يُظهر بشكل جلي أن الحضور الدولي لتونس يعتمد بدرجة كبيرة على أدوات القوة الناعمة، خاصة في مجالات السياحة، الثقافة، والتعليم العالي، في حين ما يزال الحضور الاقتصادي يعاني من محدودية نسبية، بينما الحضور العسكري يبقى هامشيًا.
قراءة في المؤشرات
البُعد الناعم:
يمثل القوة الحقيقية لتونس على المستوى الدولي. يعود ذلك إلى:
- رصيد ثقافي وحضاري غني.
- قطاع سياحي تاريخي يجذب اهتمام العديد من الأسواق.
- انفتاح أكاديمي نسبي على الجامعات الأوروبية.
- مساهمات متزايدة في التعاون التنموي والثقافي.
البُعد الاقتصادي:
رغم الجهود الحكومية المتواصلة لجذب الاستثمارات وتحفيز الصادرات، ما زالت التحديات قائمة، منها:
- ضعف البنية التحتية اللوجستية.
- صعوبات مناخ الأعمال.
- محدودية التنويع الصناعي والتكنولوجي.
البُعد العسكري:
تُعَد تونس من الدول التي تعتمد سياسة عدم الانخراط في النزاعات الدولية، لذلك يظل هذا البُعد محدودًا، وهو ما يُعد خيارًا استراتيجيًا واعيًا وليس بالضرورة نقطة ضعف.
توصيات لتطوير الحضور الدولي
- تعزيز القنوات الثقافية والإعلامية الدولية للترويج لصورة تونس عالميًا.
- تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية من خلال شبكات السفارات ورجال الأعمال بالخارج.
- تشجيع البحث العلمي والتكنولوجي عبر التعاون مع جامعات ومراكز أبحاث عالمية.
- تحسين مناخ الاستثمار المحلي لتكون تونس بوابة للمتوسط وإفريقيا.
- الاستفادة من الجالية التونسية بالخارج كأداة دبلوماسية ناعمة.
مقارنة إقليمية
بالمقارنة مع بلدان المغرب العربي، يتراوح ترتيب تونس بين الجزائر المرتبة 49 (التي تتقدم بفارق نقاط طفيفة بفضل صادرات الطاقة)، والمغرب المرتبة 52(الذي يحقق نتائج قوية في البعد الناعم والاقتصادي على حد سواء). وهذا يعزز الحاجة إلى استراتيجية وطنية لتعزيز تموقع تونس على خريطة التأثير الدولي.
على الصعيد العالمي جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الأول، تلتها جمهورية الصين الشعبية، ثم ألمانيا واليابان؛ بينما تصدرت المملكة العربية السعودية تصنيف الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بحلولها في المركز الـ17، تلتها الإمارات العربية المتحدة التي جاءت في الرتبة الـ19، في حين جاءت كل من هايتي والصومال وموريتانيا أسفل القائمة.
وذكر تقرير المؤشر المذكور أن “العولمة شهدت هذا العام تراجعًا بنسبة 1.4 في المائة في إجمالي الحضور العالمي لـ150 دولة؛ ما يُعزى بشكل رئيسي إلى انكماش البعد الاقتصادي، في حين يزداد الحضور العسكري، بينما يتعافى بُعد القوة الناعمة ببطء بعد الجائحة، لكنه بدأ يفقد زخمه”.
أشار المصدر ذاته إلى أن “الولايات المتحدة احتفظت بصدارتها في ترتيب الحضور العالمي، بينما يُلاحظ صعود الهند وروسيا واليابان، مقابل تراجع بعض القوى الأوروبية، باستثناء إسبانيا التي سجلت أكبر زيادة بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27 مقارنة بالعام السابق، محافظة على المركز الثالث عشر”، موضحًا أن “التوجهات الخارجية للاتحاد الأوروبي تشهد تراجعًا”.
وأضاف التقرير أن “بعض الدول الأوروبية تُظهر مسارات متباينة؛ فبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تواصل المملكة المتحدة فقدان حضورها الاقتصادي، فرغم أنها تمكنت من استعادة بعض النمو في ظل حضورها الضعيف إلا أنه مازال غير كافٍ للحفاظ على مكانتها في مواجهة صعود اليابان، على سبيل المثال”، مبرزًا أن “فرنسا تراجعت مركزًا واحدًا، لتتجاوزها بذلك روسيا، وهو الأمر ذاته بالنسبة لهولندا التي تجاوزتها الهند”.
وبيّنت الوثيقة أن “واشنطن مازالت تحافظ على هيمنتها العسكرية، وتتصدر العديد من المؤشرات في مختلف المجالات، رغم تراجعها الواضح في ممارسة القوة الناعمة، بينما تتصدر الصين قطاع التصنيع، لكنها لا تتصدر مؤشرات اقتصادية أو عسكرية أخرى، إذ يبدو أنها تفتقر إلى الجاذبية اللازمة لزيادة قوتها الناعمة بشكل ملحوظ، التي مازالت محدودة”.
وخلص التقرير إلى أن “بروز عامل الجغرافيا كعنصر مُحدد يدعو إلى التفكير في العولمة على أنها مُجزأة، مع وجود ثلاثة فضاءات متميزة – الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين – لكلٍ منها منطقه الخاص، الذي تصطف الدول الأخرى وفقًا له بشكل غير متساوٍ؛ وبالتالي فمن السابق لأوانه معرفة حجم التحولات التي ستحدث في العالم، لكن يبدو جليًا أن وتيرة وطبيعة عملية العولمة قد تغيرت”.

