أثار قانون المالية لسنة 2026، في صيغته النهائية المنشورة بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، موجة من الانتقادات من خبراء اقتصاد وقانون، اعتبروا أنه يفتقر إلى الرؤية الإصلاحية العميقة ويطرح إشكالات على مستوى المضمون والصياغة.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي آرام بالحاج أن قانون المالية 2026 لا يمكن أن يشكّل دفعًا حقيقيًا للاقتصاد الوطني، معتبرًا أنه لا يحقق الأهداف الاستراتيجية المفترض بلوغها. وقال بالحاج، في تدوينة نشرها السبت 13 ديسمبر، إن القانون لا يكرّس التعويل على الذات، ولا يساهم في تحسين إنتاجية العمل أو تعزيز تنافسية الاقتصاد، وهي من الأهداف الكبرى المعلنة ضمن مخطط التنمية 2026-2030.
وأضاف أن القانون يدعم اقتصاد الريع، ويكرّس تمييزًا سلبيًا بين الفاعلين الاقتصاديين، مشيرًا على سبيل المثال إلى المفاضلة بين الشركات الأهلية من جهة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة من جهة أخرى، فضلًا عن كونه، حسب تقديره، يفتح المجال لمزيد من التهرب الجبائي. كما نبّه إلى صعوبة تطبيق عدد من الفصول التي أُدرجت دون دراسة معمقة لجدواها، مع الإقرار في المقابل بوجود بعض الإجراءات الاجتماعية المحمودة.
من جهته، عبّر القاضي الإداري محمد العيادي عن استغرابه من الصياغة القانونية المعتمدة في نص قانون المالية 2026، معتبرًا أنها غير مألوفة وتتعارض مع أبسط قواعد الصياغة التشريعية. وأوضح أن عديد الفصول جاءت مصاغة بصيغة المصدر مباشرة، في حين تقتضي الصياغة السليمة أن يُفتتح الفصل بفعل صريح من قبيل: “يُنتدب”، “يُحدث”، “يُرسّم”، “يُعدّل” أو “تُسوّى”.
واعتبر العيادي أن هذه الصياغة تعكس غياب الجهد اللازم لمراجعة النص وتجويده قبل نشره بصفة رسمية، متسائلًا عمّا إذا كان الأمر ناتجًا عن الاستسهال أو الاستعجال أو الإهمال، وهو ما قد يؤدي، حسب رأيه، إلى ضعف مقروئية النص وصعوبة تطبيقه وتأويله.
واستدل القاضي الإداري بعدد من الفصول الواردة بالقانون، من بينها تلك المتعلقة بالانتداب، والترسيم، وإحداث الصناديق وخطوط التمويل، والتي اعتبر أن صياغتها الحالية تطرح إشكالات قانونية وتنفيذية.
ويأتي هذا الجدل في وقت يُنتظر فيه أن يلعب قانون المالية دورًا محوريًا في معالجة الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، وسط دعوات متزايدة إلى تحسين جودة التشريع وضمان انسجامه مع الأهداف المعلنة للدولة.

