أثارت دعوة النائب أحمد السعيداني لتأميم النفط والثروات الطبيعية في تونس جدلاً واسعًا، إذ يرى بعض المراقبين أنها أبعد ما تكون عن الواقعية الاقتصادية، وتأتي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى سياسات عملية لتعزيز قطاع الطاقة وليس شعارات انتخابية.
تنتج تونس حوالي 40 ألف برميل نفط يوميًا، وهو رقم ضعيف مقارنة بالاستهلاك المحلي الذي يفوق ثلاثة أضعاف ذلك.
عمليات التنقيب مكلفة جدًا، إذ تتجاوز تكلفة البئر الاستكشافية الواحدة في البحر 100 مليون دولار، مع نسبة نجاح أقل من 20%.
وعدم وجود شركات وطنية قوية قادرة على تحمل هذه الاستثمارات يجعل فكرة التأميم خارج الواقع المالي والتقني لتونس.
التأميم في ظل الأسعار الحالية مخاطرة
أسعار النفط اليوم تتراوح بين 75 و80 دولارًا للبرميل، وهي أسعار تجعل أي مشروع تنقيب مستقل للدولة مجازفة عالية وغير مجدية ماليًا.
في المقابل، الشركات الأجنبية تتحمل المخاطر، وتدفع للدولة حقوق إنتاج وضرائب، بينما يتحمل التأميم كل المخاطر بنفس الدولة، مما سيزيد العجز ويبطئ أي إنتاج جديد.
مقارنة خاطئة بالجزائر
يشير السعيداني إلى الجزائر كمثال، لكن الواقع مختلف:
- الجزائر تمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وشركة وطنية قوية (سوناطراك) قادرة على إدارة الاستثمارات الكبرى.
- تونس لا تملك هذه الموارد أو القدرات التقنية والمالية، ما يجعل تأميم الحقول خيارًا غير قابل للتطبيق عمليًا.
بدائل أكثر واقعية
الخبراء الاقتصاديون يرون أن الخيار الأفضل لتونس هو:
- مراجعة العقود القديمة للشركات الأجنبية
- تعزيز الشفافية والمردودية في إدارة الحقول
- فتح المجال أمام شركات متعددة لجلب استثمارات جديدة
- تطوير الطاقات البديلة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز
هذه الخيارات عملية وتحقق نتائج ملموسة، بعكس شعار التأميم الذي يظل سياسيًا أكثر من كونه اقتصاديًا.
الجزائر كنموذج لانفتاح استراتيجي
تظهر تجربة الجزائر كيف يمكن لبلد يمتلك موارد طاقية ضخمة أن يعزز إنتاجه ويؤمّن استثماراته عبر الشراكة مع الشركات العالمية بدل التأميم الكامل.
من خلال منح تراخيص لعدد من الشركات الكبرى مثل توتال، إيني، شيفرون، سينوبك وقطر للطاقة، تضمن الجزائر تحقيق مردودية أعلى، نقل التكنولوجيا، وتنويع المخاطر، وهو نموذج واقعي يختلف جذريًا عن الدعوات الشعبية لتأميم النفط في تونس.

