في الأيام الأخيرة، عجّت منصات التواصل الاجتماعي التونسية بخبر اختيار الشابة سلسبيل حويّج، طالبة تونسية مقيمة في إيطاليا، ضمن طاقم مهمّات شركة «Titans Space Industries» الأميركية، كـ«رائدة فضاء تونسية ستنطلق في مهمة قمرية عام 2029».
الخبر نشرته عمادة المهندسين في تونس وصفحات إعلامية محلية، ورافقته تدوينات مليئة بالفخر، وصور شابة مبتسمة تحمل لقب «Tanit»، تم تقديمها كأول مهندسة فضاء تونسية ستنضم إلى مهمة مأهولة إلى القمر.
لكن، وسط موجة التهاني، برزت تساؤلات جادة وتحذيرات من التضليل، على رأسها تدوينة للنائب التونسي مجدي الكرباعي الذي كشف عن جملة من المغالطات وأكد أنّ “سلسبيل لا تزال طالبة ماجستير في هندسة الفضاء بجامعة Federico II الإيطالية، ولم تتحصل بعد على شهادة هندسة”.
▪ ما هي Titans Space Industries؟
تصف الشركة نفسها بأنها “رائدة في تطوير البنية التحتية الفضائية بين الأرض والقمر (cis-lunar)”، وقد أعلنت يوم 25 جوان 2025 عن إطلاق برنامج لتدريب أول دفعة من “مرشحي رواد الفضاء” (ASCANs)، تمهيدًا لمهام قمرية ومدارية في عام 2029.
من أبرز ما جاء في البلاغ الرسمي:
- إطلاق أول مركبة فضائية مأهولة “Titans Genesis” سنة 2029.
- تدريب مرشحين من خلفيات متعددة عبر برنامج مدته 4 سنوات.
- إتاحة فرصة “عضوية” ضمن فريق الفضاء مقابل تمويل يتراوح بين 25 و35 مليون دولار.
واللافت أن الشركة تُسند لقب “رائد فضاء” حتى لأشخاص لا يملكون شهادات علمية متقدمة أو خبرات فضائية، وتقبل ضمن طاقمها مؤثرين، فنّانين، وأفرادًا من مجالات متنوعة — ما يطرح تساؤلات عميقة حول الطابع العلمي والتقني الحقيقي للمشروع.
ماذا يقول الخبراء؟
في منتدى Reddit المتخصص في علوم الفضاء، وصف مهندسون وعاملون في القطاع الفضائي الشركة بأنها “تسويقية الطابع” وأن “ادعاءها تنفيذ رحلات فضائية مأهولة عام 2029 من دون بنية تحتية أو شراكات مع وكالات فضاء معروفة (مثل NASA أو ESA) أمر مشكوك فيه”.
وقال أحدهم:”لم نرَ أي أدلة على وجود نماذج حقيقية لمركبة، أو اختبارات إطلاق، أو تراخيص وكالة فضاء… بل فقط خطط على الورق، وأسماء وألقاب، وصور مصمّمة بعناية”.
▪ من هم “رواد الفضاء” الجدد؟
تضم القائمة 40 اسمًا من مختلف الدول، من بينهم:
- سلسبيل حويج (Tanit): طالبة ماجستير في هندسة الفضاء، لم تتحصل بعد على شهادة مهندس.
- مواطنون عاديون: من مهندسين غير مختصين، إلى معلّمين، ومدربي يوغا، وخبراء في الذكاء الاصطناعي.
- عضوية مدفوعة: يوجد برنامج “Titans Astronaut Corps” الذي يسمح لأي شخص بالانضمام إلى الطاقم الفضائي مقابل 25 مليون دولار.
▪ هل هي مغالطة؟
بحسب التحقق من الموقع الرسمي للشركة وروابط المشاركين، فإن ما تم تقديمه للجمهور التونسي والإعلام على أنه “اختيار رسمي ضمن بعثة فضائية إلى القمر”، هو في الحقيقة:
- اختيار رمزي أولي ضمن قائمة «مرشحين» سيخضعون لتدريب طويل.
- لا توجد ضمانة علمية أو فنية على تنفيذ الرحلة.
- لا يوجد اعتراف من أي وكالة فضاء رسمية (NASA، ESA، CNES…) بهذه البعثة أو هذه الشركة.
وبالتالي، فإن الحديث عن “رائدة فضاء تونسية” أو “مهندسة تونسية ستنطلق نحو القمر”، في الوقت الحالي، هو سبق إعلامي مبالغ فيه يفتقر إلى الدقة العلمية والمهنية.
▪ بين الحلم والتضليل
هذا لا يقلّل من جهد الطالبة سلسبيل حويّج التي طمحت منذ صغرها للعمل في مجال الفضاء، ونجحت في بناء شبكة علاقات ومكانة على المنصات العلمية والتواصلية. لكنها، وفق المعطيات الرسمية، لم تتخرج بعد كمهندسة، ولم يتم اختيارها من طرف NASA أو ESA، بل من شركة خاصة حديثة العهد، مشكوك في مدى جديتها التقنية.
المقلق في هذه القصة ليس الحلم الفردي، بل الطريقة التي تعامل بها الإعلام وبعض المنظمات مع الخبر دون أي تدقيق أو تحقق. فنقل الخبر بصيغته الحالية يُساهم في نشر الوهم والخلط بين المشاريع العلمية الجادة والأنشطة التسويقية أو الافتراضية.
كما تساءل النائب الكرباعي في تدوينته:”بصراحة، لا أفهم ما الذي يُدرَّس في معاهد الصحافة؟ الإعلام أصبح يأخذ أخباره بطريقة عشوائية، شيء مقرف”.

