دخلت شركة Tunisair Express، الناقلة الجهوية التابعة للخطوط التونسية، في دوامة أزمة تنظيمية ومالية خانقة بعد قرار الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA) القاضي بتعليق شهادة مشغلها الجوي (TCO) ومنع أسطولها من التحليق في أجواء الاتحاد الأوروبي بصفة فورية.
القرار طال طائرتي الشركة من طراز ATR 72-600، لا تعمل منهما سوى واحدة بشكل فعلي. ووفق مصادر مطلعة، فإن أسباب التعليق مرتبطة بملفات الرقابة الفنية والالتزام بالمعايير الصارمة التي تفرضها الوكالة الأوروبية على الناقلات الأجنبية.
هذا الإجراء وضع الشركة أمام مأزق حقيقي، خاصة أن وجهاتها الأوروبية تعد شريانًا أساسيًا للجالية التونسية ولحركة السياحة والأعمال.
حلول عاجلة لكن مكلفة
لتفادي توقف رحلاتها الدولية، لجأت Tunisair Express إلى حلول ترقيعية تمثلت في إبرام عقود كراء جوي بنظام Wet Lease مع شركتي Nouvelair تونس وUniversal Air المالطية.
ويعني هذا النظام استئجار الطائرة بكامل طاقمها وخدماتها الفنية والتأمينية، بينما تتكفل الناقلة التونسية فقط بالبيع والتسويق.
لكن هذه الصيغة، وإن ضمنت استمرارية الرحلات مؤقتًا، تثقل كاهل الشركة ماليًا، إذ تتراوح كلفة ساعة الطيران لطائرة ATR 72-600 بين 1,200 و2,000 دولار، ما يجعل الفاتورة الشهرية تتراوح بين 1.5 و2 مليون دولار عند التشغيل المنتظم. أرقام ضخمة لشركة صغيرة تعاني أصلًا من عجز مالي وهيكلي.
رغم بلاغات الطمأنة التي نشرتها الشركة مؤكدة أن جميع الرحلات مؤمنة وفق البرمجة الأصلية، تواصلت الاضطرابات. فقد تم تسجيل تأخيرات وإلغاءات على خطوط مالطا وباليرمو، كما أُلغي بالفعل الرحلة UG1300 المبرمجة نحو مالطا يوم غد بعد انتهاء عقد الكراء مع شركة اونيفرسال المالطية .
الأكثر إثارة للجدل أن طائرة Universal Air المستأجرة (DH8) بقيت رابضة في مطار مالطا بعد تنفيذ الرحلة
UG1304، لتغادر لاحقًا نحو براغ في مهمة أخرى. وهو ما اعتُبر مؤشرًا على انتهاء عقد الكراء أو على الأقل تقليصه.

تؤكد إدارة الشركة أن سبب التعليق يعود إلى عملية تحيين تقني للنظام المعلوماتي لإدارة الرحلات، فرضته الوكالة الأوروبية لتعزيز الشفافية والتحكم في العمليات. لكن هذه التبريرات تواجه تشكيكًا واسعًا، إذ أن عملية تحديث معلوماتي لا تستغرق عادة أكثر من أيام معدودة، بينما الأزمة متواصلة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع دون مؤشرات واضحة على استعادتها لشهادة المشغل الأوروبي.
انعكاسات إستراتيجية على الطيران التونسي
القضية أبعد من مجرد اضطراب في جدول الرحلات. فهي تمثل:
- تهديدًا مباشرًا لصورة الطيران التونسي أمام السلطات الأوروبية التي تفرض معايير صارمة على الناقلات الإفريقية.
- خسائر مالية متفاقمة ناجمة عن عقود الكراء الباهظة.
- مخاطر على استمرارية نشاط الشركة في ظل غياب خطة واضحة للتأقلم مع المعايير الأوروبية.

مع استمرار تعليق شهادة TCO من طرف EASA، ومع غياب تصريحات دقيقة من الإدارة حول موعد استعادة الترخيص الأوروبي، يطرح المراقبون جملة من الأسئلة:
- هل تملك Tunisair Express القدرة التقنية والمالية لتلبية جميع شروط الوكالة الأوروبية في الآجال القريبة؟
- من يتحمل مسؤولية التأخير في إنجاز التحديثات المطلوبة، رغم علم الإدارة بأهميتها منذ أشهر؟
- وما هي الخطط البديلة في حال فشلت المفاوضات مع EASA أو تعثرت استعادة الترخيص؟
تجد Tunisair Express نفسها اليوم في سباق مع الزمن بين الحاجة إلى استعادة ثقة السلطات الأوروبية وبين ضغوط مالية متصاعدة بسبب الكراء المكلف للطائرات.
ومع تواصل “الصمت الرسمي” وغياب خارطة طريق واضحة، يبقى مستقبل الشركة على المحك، فيما يخشى كثيرون أن تتحول الأزمة من حادث عابر إلى ضربة قاصمة لواحدة من أهم الناقلات الجهوية التونسية.

