الرئيسيةآخر الأخبار"عريضة موجهة إلى رئيس الجمهورية تشعل الجدل حول مجلة الأحوال الشخصية"

“عريضة موجهة إلى رئيس الجمهورية تشعل الجدل حول مجلة الأحوال الشخصية”

منشور واحد على مواقع التواصل الاجتماعي كان كفيلًا بإعادة إشعال جدل اجتماعي لم يخمد منذ سنوات: “الرجل التونسي يُوجّه نداء إلى رئيس الجمهورية لإعادة النظر في مجلة الأحوال الشخصية”، رسالة طويلة حملت توقيع مواطن تونسي وعدد من المتعاطفين، سرعان ما تحوّلت إلى عاصفة من التعليقات، بين مؤيد غاضب، ومعارض شرس، وبين نساء شعرت بالإهانة، ورجال وصفوا أنفسهم بـ”ضحايا قانون يعود إلى عام 1956”.

المنشور الذي أعاد طرح هذا الملف تضمن نداءً مباشرًا لرئيس الجمهورية للمطالبة بـ”إنصاف الرجل التونسي” ومراجعة جذرية لمجلة الأحوال الشخصية، التي تم إصدارها بعد الاستقلال مباشرة، وكان يُنظر إليها لسنوات طويلة كمكسب قانوني وتقدمي حسم مسألة العلاقة بين الجنسين داخل الأسرة.

لكن اليوم، في ظل تغيّرات اجتماعية واقتصادية عميقة، عاد النقاش: هل ما زالت المجلة تحقّق العدالة؟ أم أصبحت، كما يقول البعض، سببًا في تفكك الأسرة وتعميق الهوّة بين المرأة والرجل؟

وترى بعض الأصوات الرجالية أن مجلة الأحوال الشخصية تحوّلت من إطار قانوني إلى “أداة قهر”، خاصة في ما يتعلق بمسائل النفقة، الحضانة، وتجريم التعدد. ويشير هؤلاء إلى أن عشرات الآلاف من الرجال إما في السجون أو ملاحَقون بسبب النفقة، بينما يُحرمون من رؤية أبنائهم في قضايا يُوصفون فيها مسبقًا بالمذنبين.

— "عريضة موجهة إلى رئيس الجمهورية تشعل الجدل حول مجلة الأحوال الشخصية"

وبحسب نص الرسالة التي وُجهت إلى الرئيس قيس سعيّد، فإن “الرجل التونسي تحول إلى صراف آلي، عليه الدفع تحت طائلة السجن، دون أن يُؤخذ بعين الاعتبار وضعه الاجتماعي أو المادي”. كما تطرح الرسالة تساؤلًا: لماذا توجد وزارة تُعنى بالمرأة والطفولة فقط؟ ولماذا لا توجد وزارة أو حتى إدارة تُعنى بالرجل والأسرة؟

صوت النساء: لسنا الطرف الأقوى بل الطرف الذي يُحمَّل العبء مرتين

في المقابل، جاءت ردود الفعل النسائية سريعة وقوية، وتراوحت بين الغضب والدفاع المشروع. “كيف لرجل أن يشتكي من قوانين، والمرأة تتحمّل العبء الأكبر في البيت والشارع؟”، كتبت إحدى المعلّقات، مضيفة: “نحن نعمل وندفع الفواتير ونربي الأطفال، بينما هو يجلس في المقهى أو يطالب بزوجة ثانية!”.

أصوات نسوية عديدة أكدت أن ما يُوصف بـ”حقوق للمرأة” هو في الواقع تعويض جزئي عن اختلالات مجتمعية أعمق، حيث تضطر المرأة التونسية للعمل داخل البيت وخارجه، وتتحمّل وحدها في كثير من الأحيان تربية الأبناء والإنفاق بعد الطلاق، في ظل غياب دعم حقيقي من المؤسسات أو حتى من الأب في بعض الحالات.

— "عريضة موجهة إلى رئيس الجمهورية تشعل الجدل حول مجلة الأحوال الشخصية"

الجملة التي تكررت كثيرًا في التعليقات هي: “الزواج مشروع فاشل”، سواء من رجال أو نساء. ويشير البعض إلى أن هذا الحكم ليس سوى مرآة لانهيار الثقة بين الطرفين، ولتراجع قدرة الدولة على ضمان الحماية القانونية والاجتماعية للعائلة.

وفي ظل هذا الجدل، تساءل البعض: لماذا لا يقع العمل على تطوير مجلة الأحوال الشخصية بشكل يراعي التحولات الاجتماعية والاقتصادية؟ لماذا لا نناقش بجدية مبدأ تقاسم النفقة، أو الحضانة المشتركة، أو حتى فتح نقاش قانوني حول تعدد الزوجات، لا من باب التشريع فقط بل للحد من الظواهر الموازية من زواج عرفي أو علاقات سرية؟

إن النقاش لا يدور حول من له “حقوق أكثر”، بل حول كيفية بناء منظومة قانونية تنصف الطرفين، وتحمي الطفل باعتباره الطرف الأضعف. فكل من الرجل والمرأة في تونس يواجهان تحديات يومية حقيقية: بطالة، ضغط اقتصادي، هشاشة قانونية، ومؤسسات اجتماعية منهكة.

— "عريضة موجهة إلى رئيس الجمهورية تشعل الجدل حول مجلة الأحوال الشخصية"

الجدل الحالي يكشف أن المجلة، رغم رمزيتها التاريخية، لم تعد قادرة وحدها على الإجابة عن أسئلة الحاضر. ويبدو أن الوقت قد حان لفتح نقاش وطني هادئ، بعيدًا عن الاستقطاب أو التخوين، يعيد النظر في التشريعات الأسرية بما يضمن الكرامة والعدالة والمساواة للجميع، لا لطرف دون آخر.

من المثير للانتباه أن أغلب الأصوات المطالبة بالإصلاح لا ترفض المجلة كمبدأ، بل تطالب بتعديلها لتواكب السياق الجديد. وهذا يُحيلنا إلى سؤال جوهري: هل الدولة مستعدة اليوم لإطلاق حوار وطني شامل حول الأسرة، خارج الضغوط الإيديولوجية، وبما يضمن مستقبلًا آمنًا ومتوازنًا لأجيال تونس القادمة؟

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!