الرئيسيةآخر الأخبارفطين حفصية : ما السر وراء اللهجة التصعيدية داخل البرلمان

فطين حفصية : ما السر وراء اللهجة التصعيدية داخل البرلمان

في تدوينة له مثيرة للاهتمام، كتب الصحفي فطين حفصية متسائلاً عن السر وراء “التصعيد داخل البرلمان”، ولاحظ كيف تحوّل الخطاب البرلماني في الأسابيع الأخيرة إلى ما يشبه سباقًا مفتوحًا في حدّة المداخلات ونبرة الاحتجاج، كلما اقتربت مناقشة قانون المالية أو دراسة اتفاقيات القروض.

ويشير حفصية إلى أنّ بعض النواب تجاوزوا الدور التقليدي في النقد، ليتحوّلوا إلى أصوات معارضة أشد حدّة من المعارضة المهمشة خارج المجلس، موجّهين سهامهم نحو النظام ورأس الدولة والأجنحة المحيطة به، ومستعملين قاموسًا ملتهبًا يستدعي صورة “الشعب المغلوب على أمره” طوال عشريتين كاملتين، بين السوداء والوردية كما جرى تصنيفهما في الخطاب السياسي السائد.

لماذا يتصاعد هذا الخطاب؟

يجيب حفصية بأنّ جوهر المسألة يكمن في طبيعة النظام السياسي بعد انتخابات 2022. فالنواب يدركون قبل غيرهم أنّ تأثيرهم التشريعي محدود جدًا، وأنّ صلاحياتهم لا تتجاوز في كثير من الأحيان حدود المقعد الذي يجلسون عليه، مما يجعل الخطاب الناري وسيلة لإثبات الوجود وإعلان الذات السياسية.

ويضيف أنّ غياب معارضة برلمانية حقيقية خلق حالة سريالية يصبح فيها النائب موالياً ومعارضاً في الوقت نفسه. وهي حالة تُترجم بالنمط التونسي المعروف: “أنا مع… ولكن”. ففي البرلمانات السليمة، الأبيض أبيض والأسود أسود، ولا مجال للتحرك فوق مربعات الغموض والابتزاز الاستراتيجي.

سباق صوتي… بدل فعل سياسي

ويرى حفصية أنّ غياب الكتل القوية والأحزاب الفاعلة جعل من البرلمان ساحة لـ “سباق حواجز صوتية”؛ حيث يسعى كل نائب إلى رفع سقف خطابه تحت منطق “شكون يعلّي أكثر؟” تمامًا كما يحدث في مباريات كرة القدم في أحياء البطحاء.

هذه الخطابات التي تبدو ساخنة، يصفها حفصية بأنها باردة في تأثيرها. فهي موجّهة أساسًا إلى الجمهور الافتراضي خارج القاعة لا داخلها، ويهدف من خلالها النائب إلى تسجيل اسمه في تاريخ المحتجين على هذه المنظومة حتى لا يتهمه التاريخ — وفق القراءة الهيغلية — بأنه لم يفهم لحظته.

معارضة لغوية… بلا أثر مؤسسي

ويؤكد حفصية بروز ثقافة سياسية جديدة في تونس: معارضة في الخطاب، موالاة في الممارسة. وهي ثقافة سرعان ما تسللت من البرلمان إلى الأحزاب والنخب والإعلام والمجتمع، لتفرز ما يسميه حفصية بـ “المعارضة اللغوية”، وهي معارضة تتغذى على الخطابة أكثر مما تتغذى على التفكير أو الفعل السياسي، وقد تحمل مخاطر حقيقية على مستقبل أي مسار ديمقراطي.

قضايا حقيقية… وخطاب مؤامرة

ويلاحظ حفصية أنّ عددًا من المداخلات “النارية” يطرح فعلاً قضايا حقيقية تعيشها البلاد:
غياب المحكمة الدستورية، قضاء مروّض، إعلام عمومي دعائي، فساد، تعطل مشاريع، غياب تنمية، بطالة، فقدان مواد أساسية…

لكن الإشكال — بحسب حفصية — هو هيمنة خطاب المؤامرة الذي يمنح قائله راحة نفسية وسياسية، تسمح بإطلاق الاتهامات وتوزيع المسؤوليات دون عناء أو تقديم بدائل.

إحراج لحزام المساندة

ويختم فطين حفصية تدوينته بالإشارة إلى أنّ هذه الهبّة البرلمانية الجديدة وضعت عدداً من المؤيدين للمسار داخل الإعلام والمؤسسات في موقف حرج، لأن “طبولهم” — كما وصف — باتت جوفاء أمام موجة خطابات لم يسبق أن عرفها البرلمان في تاريخه الحديث، خطابات تتحدث باسم “روح الشعب”، وهي العبارة التي سخر منها شعراء تونس كثيرًا.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!