الرئيسيةآخر الأخبارفي قلب تونس… بيوت الضيافة تعيد الروح إلى الأزقة المنسية

في قلب تونس… بيوت الضيافة تعيد الروح إلى الأزقة المنسية

تسافر بنا مراسلة صحيفة “لوفيغارو” في تونس، ماريلين دوما، إلى أزقة المدينة العتيقة، حيث ينبعث من بين جدرانها البيضاء وأبوابها الزرقاء نبض جديد يعيد لهذا الفضاء التاريخي حيويته بعد عقود من الإهمال. فقد بدأت هذه المدينة، التي تأسست سنة 698 ميلادية، تستعيد بريقها بفضل مشاريع الفنادق وبيوت الضيافة التي تحوّل المنازل القديمة إلى فضاءات إقامة تراثية ذات طابع ثقافي وسياحي مميز.

لطالما كانت المدينة العتيقة مهمشة من قبل السكان المحليين، وتمر بها أقدام السياح مرور الكرام، لكنها تشهد اليوم عودة تدريجية إلى الواجهة، وسط اهتمام متزايد من مستثمرين يؤمنون بقيمة التراث الحي. تقول ليلى بن قاسم صاحبة نزل “دار بن قاسم”: “عندما افتتحت أول مبنى في سبتمبر 2013، كان التونسيون مندهشين ويسألون: ما الذي قد يجذب الأجانب إلى المدينة؟ أما اليوم، فحتى المحليون يأتون للاستمتاع بأجوائها”.

المدينة التي كادت تُمحى في عهد بورقيبة بعد الاستقلال، شهدت نزوح العائلات الميسورة إلى الضواحي الحديثة، وتدهورت منازلها القديمة شيئًا فشيئًا. إلا أن الثورة التونسية مثلت نقطة انطلاق جديدة، إذ تم افتتاح أكثر من عشرة نزل وبيوت ضيافة منذ 2011، إلى جانب عروض إقامة متنوعة على منصات إلكترونية مثل “Airbnb”.

لكن استعادة المدينة العتيقة لعافيتها لا تخلو من عراقيل، أهمها صرامة إجراءات الترميم بسبب تصنيفها ضمن التراث العالمي لليونسكو منذ 1979، ما يجعل التراخيص تخضع لمراقبة دقيقة وتستغرق وقتًا طويلاً. وخلال زيارة ميدانية في فيفري 2024، عبّر رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن رفضه لمشروع نزل “The Residence” الذي يقام في منزل تاريخي، مؤكدًا أن “تاريخ تونس ليس للبيع ويجب المحافظة عليه”، مما أدى إلى توقّف الأشغال.

رغم ذلك، فإن الحركية الثقافية والسياحية آخذة في التصاعد، بدفع من مبادرات مثل مهرجان “دريم سيتي” ومهرجان المدينة الرمضاني، إلى جانب أنشطة فنية وموسيقية تنظمها مؤسسات سياحية محلية.

وتحرص عدة مشاريع، مثل نزل “دار الجلد” و”دار بن تركية”، على توظيف سكان المدينة والمحافظة على روح المكان. كما تنشط جمعيات مثل “مدينتي”، التي أسستها ليلى بن جقم، في تنظيم ورشات تقليدية وزيارات ثقافية تروّج لفكرة “السياحة المجتمعية” القائمة على إشراك الأهالي.

وترى بن جقم أن “المدينة لن تتحول إلى نسخة مصطنعة من ديزني، طالما بقي المجتمع المحلي جزءًا من المعادلة”، مشيرة إلى أن ما يجذب الزائر هو العيش داخل نسيج حي، حيث تختلط رائحة الطبخ بأصوات المارة والنداءات من النوافذ القديمة.

من جانبها، تعتبر ضحى بالحاج، التي تدير بيت الضيافة “دار كنزة”، أن الحفاظ على المعمار أهم من التخوّف من التحوّلات الاجتماعية: “من الأفضل ترميم البيوت بدل أن تنهار، حتى وإن اقتضى الأمر بيعها لمن يملك القدرة على إصلاحها”.

وبين إصرار على حماية التراث وسعي لإعادة الحياة إلى المدينة، تبدو المدينة العتيقة في تونس وكأنها تكتب فصلًا جديدًا من تاريخها، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في تجربة سياحية وثقافية فريدة من نوعها.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!