الرئيسيةآخر الأخبارقبل أن يتكرر هذا المشهد في بحيرة غار الملح

قبل أن يتكرر هذا المشهد في بحيرة غار الملح

بينما تتابع السلطات البيئية في تونس ظواهر نفوق الأسماك وشحوط الثدييات البحرية، تُدقّ اليوم نواقيس الخطر من جديد في غار الملح، حيث تهدّد بحيرتها الشهيرة بكارثة بيئية صامتة، بسبب تسرب كميات كبيرة من المياه المستعملة، في ظلّ صمت رسمي محيّر، رغم التنبيهات المتكرّرة.

خلال هذا الأسبوع، كشف الأستاذ مراد عطوشي من المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار عن نفوق كميات من الأسماك بمصب وادي بولدين بقربة، نتيجة ركود المياه وارتفاع درجات الحرارة ونمو الطحالب المجهرية بسبب المواد العضوية، ما أدى إلى نقص الأوكسجين في المياه واختناق الأسماك. كما تم تسجيل شحوط دلفين نافق على شاطئ حمام الأنف، في مشهد يعكس هشاشة البيئة الساحلية والمائية في البلاد.

هذه الحوادث ليست منعزلة، بل تؤشر إلى اختلال بيئي يطال المناطق الرطبة والمغذية للأنظمة البحرية، ويدفع إلى التساؤل: هل غار الملح هي التالية؟

على بعد أمتار فقط من مدخل مدينة غار الملح، وبينما يمتد مشهد البحيرة الطبيعي الخلاب، تُفسد روائح كريهة تنبعث من جنبات الطريق المشهد العام وتُقلق السكان والزوار. هذه الروائح، وفق ما ثبت ميدانيًا، ناتجة عن تسرّب كميات كبيرة من المياه المستعملة، يُرجّح أنها ناتجة عن منشأة تابعة للديوان الوطني للتطهير.

هذا التسرب العفن لا يهدد فقط البحيرة، بل الحياة البحرية بأكملها في قاعها، والمزارع المحيطة بها، وسط غياب تام لأي تدخل فعلي، رغم أن التنبيه تم قبل أكثر من أسبوعين، وتم توثيقه بالصور التي قُدمت إلى مسؤولين جهويين.

المفارقة أن بحيرة غار الملح ليست مجرد معلم محلي، بل أول موقع ساحلي “إيكوهيدرولوجي” مصنف من قبل اليونسكو في إفريقيا ومنطقة المتوسط، لما تتمتع به من أهمية بيئية دولية. وتحتضن البحيرة مرصدًا بيئيًا علميًا يشرف عليه خبراء تونسيون ودوليون، ويهدف إلى حماية المنظومات الساحلية والبحيرات.

كما تُوّجت مدينة غار الملح سنة 2018 بجائزة “مدينة الأراضي الرطبة” من اتفاقية رامسار، لتكون أول مدينة عربية وإفريقية تنال هذا التميّز، اعترافًا بجهودها في حماية التنوع البيولوجي.

لكن اليوم، كل هذا الاعتراف الدولي مهدد، إذا استمر هذا الإهمال على بعد خطوات فقط من المؤسسات الرسمية المعنية، التي لم تتحرك حتى بعد تنبيهها بالخطر المحدق.

ما يحدث اليوم في غار الملح ليس مجرد خلل فني أو حادث عرضي، بل مؤشر خطر على احتمال تكرار سيناريوهات نفوق الأسماك واختناق النظم البيئية، كما حدث في قربة. ومع اشتداد حرارة الصيف وركود المياه، يصبح كل يوم تأخير عن المعالجة خطوة نحو كارثة بيئية أكبر.

لذلك، فإن المطلوب اليوم ليس فقط إصلاح الأنابيب أو كبح التسرب، بل تفعيل حقيقي للرقابة البيئية، ومحاسبة الأطراف المتقاعسة، وتحرك فوري يرقى إلى مستوى الموقع ومكانته الدولية.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!