يقول المثل الفرنسي الشهير: “Quand le bâtiment va, tout va” (عندما يزدهر قطاع البناء، يزدهر كل شيء)، غير أنّ الواقع في تونس يسير في الاتجاه المعاكس، وفق ما أظهره أحدث تقرير لموقع Mubawab حول سوق العقارات، والذي كشف عن تراجع ملحوظ في الطلب على الشراء خلال الأشهر الأخيرة.
أكد التقرير للموقع المتخصص في العقارات أن السوق العقارية التونسية تعيش حالة اختلال واضحة، حيث ارتفع متوسط أسعار المتر المربع بنسبة 4٪ خلال النصف الأول من 2025 مقارنة بنفس الفترة من 2024، وبزيادة 7٪ عن النصف الثاني من العام الماضي، في وقت تراجعت فيه الطلبات بنسبة 1٪، فيما ارتفع العرض بـ3٪.
هذه الأرقام تعكس – بحسب التقرير – مفارقة لافتة: سوق عقارية تتضخم أسعارها بينما يتراجع عدد المشترين.
وولمعرفة أسباب هذا الانكماش في الطلب، يمكن العودة الى التقرير الذي اعده الخبير التونسي نزار الجليدي حول البنوك في تونس التي لعبت دورًا محوريًا في تعميق الأزمة، ليس فقط عبر الإبقاء على معدلات فائدة من بين الأعلى في المنطقة، وإنما أيضًا من خلال وقف منح القروض العقارية طويلة الأجل منذ أبريل 2025، كرد فعل على إجراءات حكومية حدّت من هامش أرباحها.
الجليدي أشار إلى أن هذه السياسة أغلقت أبواب التمويل أمام عشرات الآلاف من المواطنين، ودَفعت السوق نحو حالة جمود، رغم استمرار المضاربة وارتفاع الأسعار.
كما أوضح انه “تحت ضغط الأزمة الاجتماعية والتضخم المنفلت، اضطرت السلطات إلى تغيير قواعد اللعبة البنكية بشكل عاجل. فتم التصويت مطلع 2025 على قوانين تُجبر البنوك الكبرى على المساهمة في “الجهد الوطني” إن صح التعبير. من بين أبرز الإجراءات: تخفيض بـ50٪ في نسب الفائدة على بعض القروض ذات الأقساط الثابتة، إلزام البنوك بتخصيص 8٪ من أرباحها لسنة 2024 لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ورفع الضريبة على أرباح البنوك إلى 40٪. حسب فيتش، هذه الإجراءات قد تؤدي إلى انخفاض في الأرباح الصافية لِعشر أكبر بنوك بنحو 11 إلى 14٪، أي ما يعادل 170 مليون دينار. لكن يبقى السؤال: هل طُبقت هذه القوانين فعلًا؟
في كل الحالات، هذا التراجع ليس إلا تعديلًا بسيطًا. فقد سارعت البنوك بالرد: توقفت عن منح القروض طويلة الأجل، خاصة في قطاع السكن. وبذريعة أن هذه القروض أصبحت غير مجدية مع القوانين الجديدة، علّقت عدة مؤسسات بنكية منذ أبريل 2025 كل التمويلات التي تتجاوز 15 عامًا، مما أغلق أبواب السكن في وجه عشرات الآلاف من التونسيين. وبدلاً من لعب دور المحرك الاقتصادي، انغلقت البنوك على نفسها، وفرضت ضغوطًا مضادة على الدولة.
وبينما يظل قطاع البناء مؤشرًا أساسيًا لصحة الاقتصاد، يحذر خبراء من أن استمرار هذه المعادلة – أسعار مرتفعة، طلب ضعيف، تمويل شبه منعدم – قد يطيل أمد الركود في السوق العقارية ويزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني.

