قبل نحو ثلاث سنوات، انطلقت في قلب البرلمان الأوروبي قضية أثارت ضجة إعلامية كبيرة، وسُمّيت بـ“قطر غيت”. القضية وُصفت حينها بـ”فضيحة القرن”، إذ كان يُعتقد أنها تكشف شبكة فساد واسعة تشمل دولًا مثل قطر والمغرب وموريتانيا، وأن بعض النواب الأوروبيين استلموا أموالًا من هذه الدول مقابل نفوذ سياسي داخل البرلمان.
خلفية القضية
القضية بدأت مع ضبط حقائب مليئة بالأموال لدى عدد من النواب الأوروبيين السابقين والحاليين، ما دفع الإعلام الأوروبي لإعلان أنها فضيحة غير مسبوقة تتعلق بالفساد الدولي والتأثير الأجنبي على صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي.
في البداية، تم تصوير القضية على أنها اختبار حقيقي للشفافية في البرلمان الأوروبي، ورمز جديد للجهود الأوروبية في مكافحة الفساد، خصوصًا على خلفية فضائح سابقة كانت قد طالت مؤسسات أوروبية أخرى.
الواقع القضائي: هشاشة الأدلة
مع مرور الوقت، بدأت تظهر عدة مشاكل تؤثر على قوة القضية القانونية. أبرزها:
- ربط الأموال بالدول الأجنبية صعب قانونيًا:
على الرغم من الكم الكبير من الأموال التي تم ضبطها، إلا أن الارتباط المباشر بين هذه الأموال والدول المعنية لم يُثبت بشكل قاطع أمام القضاء، ما يضعف صلب الاتهامات الموجهة للمتهمين. - انتقادات منهجية التحقيق:
بعض المراقبين أشاروا إلى أن التحقيق تقدم إعلاميًا قبل أن يثبت قانونيًا، وأنه ركّز على إثارة الضجة أكثر من تأمين الأدلة المحكمة. هذا ما وصفه البعض بأنه “فقاعة سياسية-قضائية” قد تنفجر في أي لحظة إذا ألغت المحاكم الإجراءات بسبب ضعف الأدلة.
دور “خلية Medusa” المثيرة للجدل
أحد أبرز نقاط الانتقاد في القضية يتعلق بوجود ما يسمى بـ “خلية Medusa”، وهي هيكل غير رسمي يضم محققين، قضاة، عناصر استخبارات وعدد من الصحفيين، وكانوا يتواصلون عبر قنوات مشفرة لتبادل المعلومات.
هذه الطريقة أثارت تساؤلات عن تجاوز الحدود القانونية للتحقيقات الرسمية، وعن إمكانية أن تكون بعض التسريبات الإعلامية قد أثرت على الرأي العام قبل ظهور الحقائق القضائية.
نشرت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية مؤخرًا تحقيقًا نقديًا حول القضية، رصدت فيه:
- أن المسار القضائي أصبح هشًا وغير مؤكد، وأن الدليل القانوني لم يعد يواكب الضجة الإعلامية.
- وجود تسريبات غير رسمية ومعلومات صحفية سبقت في بعض الأحيان الأدلة القانونية نفسها، ما أثار شكوكًا حول نزاهة بعض إجراءات التحقيق.
- دفاع المتهمين بدأ يطعن في صحة الأدلة والشهادات، مطالبًا بإلغاء بعض الاجراءات.
- الرواية الكبرى للفضيحة، التي ركزت على شبكة فساد من دول خارجية، بدأت تفقد زخمها أمام الطعون القانونية والشكوك القضائية.
تثير قضية Qatargate اليوم أسئلة عميقة حول مصداقية المؤسسات الأوروبية في مكافحة الفساد والتعامل مع الضغوط الخارجية. بينما كانت البداية بمثابة انتصار إعلامي وسياسي كبير، فإن التجاذبات القانونية والسياسية الحالية تجعل القضية اختبارًا حقيقيًا للعدالة الأوروبية وشفافية البرلمان.

