الرئيسيةآخر الأخبارقوارير المياه تغرق البلاد في النفايات البلاستيكية… من يُحاسب شركات التعبئة؟

قوارير المياه تغرق البلاد في النفايات البلاستيكية… من يُحاسب شركات التعبئة؟

رغم تحذيرات النشطاء البيئيين والمختصين من تفاقم أزمة النفايات البلاستيكية في تونس، تواصل شركات تعبئة المياه نشاطها بوتيرة متصاعدة، دون أن تتحمل مسؤولياتها البيئية، وسط غياب واضح لأي التزامات فعلية أو رقابة حقيقية.

ففي عام 2024، بلغ معدّل استهلاك التونسيين للمياه المعبأة 244 لترًا للفرد سنويًا، وهو من بين الأعلى عالميًا، لتحتل تونس المرتبة الرابعة عالميًا خلف المكسيك وإيطاليا. هذا الرقم المهول يعكس اعتمادًا مفرطًا على القوارير البلاستيكية، يعود أساسًا إلى تردي جودة مياه الحنفيات وتغيّر العادات الاستهلاكية.

لكن ما يغيب عن الواجهة الإعلامية هو الأثر البيئي المدمر لهذه القوارير، التي تُنتج منها سنويًا نحو 3 مليارات لتر من المياه المعبأة، وتتحول أغلبها إلى نفايات بلاستيكية منتشرة في الشوارع والغابات والشواطئ، في بلد يعاني أصلًا من ضعف إمكانيات الفرز والتدوير.

أرباح بالمليارات… ومسؤولية مغيبة

ورغم أن قطاع التعبئة لا يستهلك سوى 0.19% من الموارد المائية الوطنية، إلا أن الشركات العاملة فيه ـ سواء محلية أو فروع لماركات عالمية ـ لم تُبدِ حتى اليوم أي التزام واضح أو شفاف تجاه البيئة. فلا برامج لإعادة التدوير، ولا دعم لحملات تحسيس، ولا استثمار في عبوات صديقة للبيئة أو قابلة لإعادة الاستخدام.

أما العبء، فيُترك للمواطنين والبلديات والدولة، بينما تجني الشركات أرباحًا طائلة على حساب صحة المواطن والبيئة.

كوكاكولا: نموذج التهرب البيئي العالمي… والمحلي

شركة كوكاكولا، أحد أبرز الفاعلين في قطاع المشروبات المعبأة في تونس، تحتل أيضًا المرتبة الأولى عالميًا في تلويث البيئة بالبلاستيك، وفق تقرير حديث صادر عن منظمة Oceana في مارس 2025.
فقدّرت المنظمة أن أكثر من 600 ألف طن من نفاياتها البلاستيكية يُتوقع أن تنتهي سنويًا في المحيطات بحلول عام 2030، وهي كمية هائلة تعكس اختلال التوازن بين الربح والمسؤولية.

ورغم إطلاقها شعارات “عالم بلا نفايات”، أقدمت الشركة نهاية 2024 على التراجع عن أهدافها المتعلقة بإعادة استخدام القوارير، واكتفت بخطط محدودة لإعادة التدوير، وهو ما اعتبره خبراء “خداعًا تسويقيًا لا أكثر”.

وفي تونس، لم تُعلن كوكاكولا عن أي خطة بيئية محلية، ولا مساهمة في تقليص العبوات البلاستيكية أو دعم بدائل مستدامة.

في ظل هذا الواقع، يطرح السؤال نفسه: إلى متى تواصل هذه الشركات نشاطها بلا محاسبة؟
ولماذا لا تفرض الدولة ضرائب بيئية صارمة على كل لتر يُعبّأ في قارورة بلاستيكية؟
ولماذا لا تُجبر هذه الشركات على جمع نسبة من النفايات التي تطرحها في السوق، أو المساهمة الجدية في برامج وطنية لإعادة التدوير؟

المنظمات البيئية تدعو اليوم إلى:

  • إلزام شركات التعبئة باستخدام مواد معاد تدويرها بنسبة دنيا.
  • دعم البنية التحتية لجمع وفرز القوارير.
  • تطوير بدائل للقوارير البلاستيكية أحادية الاستعمال.
  • نشر تقارير شفافة حول الكميات المنتَجة ونسبة ما يُعاد جمعه أو تدويره.

في النهاية، يبدو أن البيئة التونسية تدفع ثمن أرباح شركات لم تُحاسب يومًا على ما تخلفه وراءها من نفايات.
وفي غياب سياسات حازمة ورقابة صارمة، سيبقى المواطن التونسي يستهلك مياهاً نظيفة في عبوات ملوّثة، بيئيًا وأخلاقيًا.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!