تشهد تونس منذ أشهر موجة جدل واسعة حول وجاهة الدعوات لمقاطعة سلسلة المتاجر «كارفور» على خلفية ارتباط الشركة الأم الفرنسية بشراكات تجارية في إسرائيل بلغت أول أمس الى حد العنف بين المحتجين وحراس متاجر كارفور بالمرسى . غير أنّ هذا الجدل لم يقتصر على البُعد الاقتصادي والأخلاقي، بل سرعان ما تحوّل إلى سجال مجتمعي وسياسي كشف عن تباينات عميقة في فهم معنى النضال وجدوى المقاطعة، وعن مخاوف متزايدة من انزلاق الاحتجاجات إلى دوائر العنف.
الناشط حسام سعد انتقد ما وصفه بـ«العمليات الميدانية» أمام بعض مغازات «كارفور» والتي بثّت مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبراً أنّ «استخدام كلمة مداهمة لم يكن معبّراً عن المقصود»، لكن الأخطر أنّ الاحتجاجات لم تراعِ قواعد السلامة الرقمية: «تي انت كان تكتب كلمة حماس كاملة ينجمو يسكرولك حسابك». بالنسبة له، المقاطعة الاقتصادية والاستهلاكية «من أكثر سبل الضغط نجاعة ونُبلاً»، لكنها تحتاج إلى «تناسق في المواقف» واحترام حرية الآخرين، فلا تتحول إلى إكراه اجتماعي أو عنف مادي.
انتقاد الازدواجية في الاستهلاك
النائب السابقة فاطمة المسدي بدورها سخرت من بعض الأصوات التي ترفع شعار المقاطعة بينما «في يدّو آيفون، وفوق راسو سماعات آبل، ومهبط ستوري على إنستغرام وفايسبوك، ولابس ماركات عالمية». في نظرها، لا يمكن أن تكون المقاطعة «موضة للكاميرا» بل يجب أن تقوم على مشروع وطني بديل ينهض بالصناعة المحلية.
في السياق نفسه، كتب أحد المدونين أنّ المقاطعة لن تنجح ما لم تُدعَّم برؤية اقتصادية حقيقية: «وقت الشعب يكون واعي وخياره مدروس، وقتها المقاطعة تولّي سلاح حقيقي، مش مسرحية باش نفرّقو فيها شعارات على مواقع التواصل الاجتماعي». بالنسبة إليه، الرهان يكمن في تطوير بدائل محلية في البرمجيات، الملابس، والصناعات الغذائية.
السفير السابق خليل بن عبد الله اعتبر أنّ الدولة وحدها تملك «حق العنف المشروع»، وما حصل من اعتداءات على محتجين أمام مغازات «كارفور» بالمرسى هو «أقرب إلى توحش ميليشيات أو جهاز أمن موازٍ». أما عادل بلحاج فقد انتقد بشدة مشاهد التراشق بالكراسي، قائلاً: «كارفور تراشق بالكراسي، مهرجان سبيطلة تراشق بالكراسي، فنان يكسر في الكراسي… ما ثمة حد يطلع يوضح الحكاية لا إدارة كارفور لا سلطة إشراف».
السيد ثامر إدريس نبّه إلى أن المقاطعة في بلد يعاني من نسب بطالة مرتفعة وتفشي العنف قد تتحول إلى «سلاح ذو حدّين». فهي من جهة واجب أخلاقي وإنساني، لكنها إن مورست بعشوائية قد تتحول إلى ظلم اجتماعي داخلي. في رأيه، الحل يكمن في مقاطعة واعية تركّز على «دعم البدائل المحلية، حماية العاملين الأبرياء، والضغط على رأس المال والشركة الأم لا على الأجراء البسطاء».
أما المدون علاء الدين بوفحجة فقد اعتبر أنّ من يتعامل مع مشاهد الضرب والعراك في «كارفور» كأنها مجرد تفاصيل عابرة يغفل عن كونها «علامة دامغة على مخزون عنف مكتوم». بالنسبة إليه، تونس دخلت في دورة عنف مجتمعي مفزعة قد تفضي إلى انفلات لا تُعرف نهاياته.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة
- على الأُجراء وسلاسل التوريد: أي تعطيل فوضوي قد يُصيب آلاف العاملين/المورّدين المحليين بالضرر، في سوق تعاني أصلًا البطالة والهشاشة.
- على المستهلك والأسعار: المقاطعة غير المنظمة قد تقلّص العرض في نقاط معيّنة، وتُسبّب تحوّلات قصيرة الأمد في الأسعار أو الندرة.
- على الشركة والعلامة: الضغط الاتصالي يؤثر على سمعة الامتياز المحلي وعلى علاقته بالشركة الأم، لكن الحسم يتوقف على مسارات تفاوضية وسياسات امتثال توريد/وسم المنشأ… إلخ. (تذكير: وجود «كارفور» في إسرائيل قائم على امتياز لا إدارة مباشرة، وهذا لا يُنهي مسؤولية العلامة العالمية تجاه شراكاتها).
ما الذي يمكن فعله الآن؟
1) للاحتجاج المدني
- اعتماد قاموس دقيق: «تحرك ميداني سلمي/وقفة احتجاجية» بدل مصطلحات توحي بالاقتحام.
- احترام حرية غير المشاركين وعدم تعطيل نفاذ العموم للسلع الأساسية.
- توثيق كل تفاعل مع الحراسة الخاصة بالفيديو وإحالتها فورًا للنيابة العمومية/الداخلية.
- تحويل الضغط من الأجراء إلى المقرّرات: إدارة الامتياز، سلاسل التوريد، التزامات الامتثال (وسم المنشأ/حظر منتجات المستوطنات إن وُجدت…).
2) لإدارة «كارفور تونس»
- إصدار بيان مفصّل ونتائج تحقيق داخلي بخصوص حادثة المرسى، مع محاسبة أي تجاوز.
- نشر سياسة توريد محدثة تتضمّن التزامًا واضحًا بعدم التعامل مع منتجات/مزوّدين مرتبطين بالمستوطنات أو بانتهاكات جسيمة.
- توسيع «أركان المنتوج الوطني» بخطة أرقام ومؤشرات قياس (نسبة المكوّن المحلي، عدد المورّدين التونسيين…).

