قرّر مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، خلال اجتماعه المنعقد يوم 30 ديسمبر 2025، تخفيض سعر الفائدة المديرية بـ50 نقطة أساس ليصل إلى 7%، على أن يدخل القرار حيّز التنفيذ بداية من 7 جانفي 2026. كما شمل القرار تعديل نسب تسهيلات الإقراض والإيداع لمدة 24 ساعة إلى 8% و6% على التوالي، إلى جانب التخفيض في الحد الأدنى لنسبة تأجير الادخار إلى 6%.
هذا القرار، وإن بدا تقنيًا في ظاهره، يحمل انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على حياة التونسيين، سواء كانوا مقترضين أو مدّخرين، أفرادًا أو مؤسسات.
تمثّل الفائدة المديرية السعر المرجعي الذي يضبط كلفة الأموال في السوق النقدية، ومنها تُشتقّ نسب الفائدة المعتمدة من البنوك على القروض. وتخفيضها يعني، مبدئيًا، توجّهًا نحو تخفيف كلفة الاقتراض ودفع البنوك إلى مراجعة نسب الفائدة نزولًا، وإن كان ذلك يتمّ تدريجيًا وليس آليًا.
حسابيًا، ينعكس التخفيض إيجابًا على القروض، خاصة طويلة المدى.
فعلى سبيل المثال، فإن قرضًا سكنيًا بقيمة 150 ألف دينار على مدى 20 سنة، يمكن أن يشهد انخفاضًا في القسط الشهري بنحو 50 دينارًا، أي ما يعادل توفيرًا جمليًا يقارب 12 ألف دينار على كامل فترة السداد. أما القروض الاستهلاكية متوسطة الأجل، فيبقى أثر التخفيض محدودًا نسبيًا، لكنه يظل قائمًا، سواء من حيث القسط الشهري أو الكلفة الإجمالية للقرض.
وبالنسبة للمؤسسات، وخاصة الصغرى والمتوسطة، يُنتظر أن يخفّف القرار جزءًا من الضغط المالي، ويشجّع على الاستثمار أو إعادة جدولة الديون في سياق اقتصادي لا يزال هشًا.
الادخار… الوجه الآخر للقرار
في المقابل، يتأثر الادخار سلبًا نسبيًا بهذا التوجه، إذ قرّر البنك المركزي التخفيض في الحد الأدنى لنسبة تأجير الادخار إلى 6%.
وبلغة الأرقام، فإن مدّخرًا يملك حساب ادخار بقيمة 10 آلاف دينار، سيفقد حوالي 50 دينارًا سنويًا من العائد مقارنة بالنسبة السابقة. وهو ما يعكس خيارًا واضحًا للسلطة النقدية: تفضيل تحريك الأموال داخل الدورة الاقتصادية بدل تجميدها في الحسابات الادخارية.
ضبط ممرّ الفائدة بين 6% للإيداع و8% للإقراض يهدف إلى ضمان حسن انتقال السياسة النقدية إلى السوق، ومنع أي ارتباك في السيولة. فكلما تقلّص هامش الربح السهل للبنوك عبر إيداع أموالها لدى البنك المركزي، زادت الحوافز لتوجيه السيولة نحو القروض والاستثمار.
لا يمكن فصل هذا القرار عن السياق الاقتصادي العام، حيث تحاول الدولة تحقيق توازن دقيق بين:
- مقاومة التضخم،
- دعم الاستثمار والنمو،
- تخفيف أعباء الديون عن الأسر والمؤسسات،
- والحفاظ على الاستقرار المالي.
وبين رابح وخاسر، يبدو أن البنك المركزي اختار هذه المرة دعم المقترضين والاقتصاد الحقيقي، حتى وإن جاء ذلك على حساب عائدات الادخار ولكن يخشى من ان الاقتراض المباشر للدولة من البنك المركزي ب11 مليار دينار سيؤدي الى ضعف السيولة النقدية ويحرم القطاع الخاص من التمويل.

