صادق مجلس نواب الشعب، يوم الخميس 24 جويلية 2025، على تعديل الفصلين 96 و98 من المجلة الجزائية، في خطوة اعتبرها مراقبون “تحولاً مفصلياً” في التعاطي القانوني مع قضايا استغلال النفوذ والإضرار بالإدارة.
وقد حظي التعديل بموافقة 92 نائباً، في حين امتنع 7 نواب عن التصويت، وعارضه 6 آخرون. ويأتي هذا القرار بعد سنوات من الجدل حول الفصل 96، الذي طالما وُصف بـ”الفصل المشؤوم” بسبب استخدامه الواسع في ملاحقة مسؤولين سابقين وموظفين سامين، بينهم وزراء ومديرون عامون ورؤساء مؤسسات، وحتى موظفون عاديون، بتهم تتعلق بتصرفات إدارية اتُّهمت لاحقاً بأنها إضرار بالمصلحة العامة.
ما الذي تغير في الفصل 96؟
التعديل الذي أُدخل على الفصل 96 جاء ليس فقط لتخفيف العقوبات، بل أيضاً لإعادة تحديد مفهوم الجريمة المنصوص عليها فيه. ومن أبرز ما جاء فيه:
- تقليص العقوبة السجنية: من عشر سنوات إلى ست سنوات كحد أقصى.
- تعديل الغرامات المالية: أصبحت تُحتسب على أساس الضرر المادي الفعلي الذي لحق بالإدارة، عوضاً عن الصيغة السابقة التي كانت تشمل أيضاً قيمة “المنفعة المتحصل عليها”.
- تبسيط هوية المعنيين: عوض تعداد مفصل للوظائف داخل الهياكل العمومية أو الجمعيات أو المؤسسات العمومية، أصبح النص الجديد يشمل بصفة عامة “كل موظف أو عون في مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية ذات مساهمة عمومية”.
- تركيز على الضرر مقابل المنفعة: أصبحت الجريمة تُكيّف فقط في الحالات التي يثبت فيها أن الشخص استغل وظيفته للحصول على منفعة غير شرعية مقابل إلحاق ضرر مادي بالإدارة.
- إدراج معيار جديد: في حال تعلّق الأمر بمؤسسة ذات مساهمة عمومية، فإن الغرامة تُحتسب نسبة إلى حجم مساهمة الدولة في رأس المال.
الفصل 98… انسجام مع الجديد
أما الفصل 98، فقد تم تنقيحه بشكل يتماشى مع التعديلات المدرجة على الفصل 96. إذ حافظ على نفس الهيكل، لكنه أصبح يُحيل بوضوح إلى النسخة المعدّلة من الفصل 96، مع التنصيص على مبدأ النسبة في تحديد الغرامات وإحكام تطبيق العقوبات التكميلية.
الفصل 96… سجل من الضحايا والجدل
لا يمكن الحديث عن الفصل 96 دون التوقف عند ما خلفه من آثار طالت مئات المسؤولين والموظفين، بعضهم وُجهت له التهم في قضايا ذات طبيعة إدارية أو مالية دون أن تثبت نوايا الإضرار أو الكسب غير المشروع. وُصف هذا الفصل بأنه “مطاطي” و”سيف مسلط على رقاب المسؤولين”، مما دفع العديد من الخبراء في القانون إلى المطالبة بمراجعته لتفادي تسييسه أو استخدامه لتصفية الحسابات.
يمثل تعديل الفصل 96 خطوة جريئة نحو إصلاح المنظومة القضائية وربما نحو ترميم الثقة بين الإدارة والعدالة. لكن نجاح هذه الخطوة مرهون بمدى حسن تطبيقها على أرض الواقع، ومدى التزام القضاء بتفصيل الوقائع في كل ملف، دون إسقاط تهم جاهزة تحت عناوين فضفاضة.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّدقد أكد يوم 20 ماي 2024 خلال اجتماع خُصص للنظر في مراجعة الفصل 96، أن “القانون يجب أن يكون أداة للمساءلة لا لتصفية الحسابات”، مشيراً إلى أن هناك من “يتخذ من هذا الفصل ذريعة للتهرب من تحمل المسؤولية، أو على العكس، لتصفية خصومات سياسية”. كما اقترح إدراج بند يُجرّم الامتناع المتعمد عن تنفيذ الأوامر الإدارية بنية عرقلة المرفق العمومي.

