الرئيسيةآخر الأخبارمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن : إدارة ترامب تخطط لتمزيق الإتحاد...

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن : إدارة ترامب تخطط لتمزيق الإتحاد الأوروبي

أثار صدور استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة التي كشفت عنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، موجة واسعة من القلق والتحليل داخل أوروبا، بعدما اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS)—وهو من أبرز مراكز التفكير في الولايات المتحدة—أن الوثيقة تمثل تحوّلًا دراماتيكيًا غير مسبوق في السياسة الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، يصل حدّ “إعلان الحرب على السياسة الأوروبية وقادتها والاتحاد الأوروبي” نفسه.

وجاءت الاستراتيجية الجديدة—التي عادة ما تكون وثائق رمزية أكثر من كونها مؤثرة—بطابع مختلف هذه المرة، إذ يرى خبراء المركز أن الإدارة الأميركية “تتجه نحو إعادة صياغة العلاقة مع أوروبا من جذورها”، في مسار قد تكون له تداعيات خطيرة على حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومستقبل التحالف الغربي بأكمله.

تراجع في أولويات الدفاع… لكن مع تركيز غير مسبوق على هوية أوروبا “

خلافًا للتوقعات الأوروبية، التي رجّحت أن الإدارة الأميركية ستهمّش القارة العجوز لصالح أولويات أخرى، تؤكد الاستراتيجية أن أوروبا لم تعد أولوية دفاعية، وأن واشنطن تتوقع من الأوروبيين تولّي عبء أمنهم بشكل مستقل، مع إغلاق الباب أمام أي توسع جديد للناتو، بما في ذلك عضوية أوكرانيا.

لكن المفاجأة الكبرى تكمن في الموقف الذي يلي هذا التجاهل الدفاعي، إذ تؤكد الوثيقة أن:“أوروبا تبقى ذات أهمية استراتيجية وثقافية حيوية للولايات المتحدة.”

ومع أن هذا الموقف يتسق مع كل الوثائق الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن ما تطرحه الاستراتيجية بعدها يمثل صدمة حقيقية للقيادات الأوروبية. إذ تعتبر الوثيقة أن القارة تواجه “احتمالًا صارخًا لمحو حضاري”، تتسبب فيه:

  • الاتحاد الأوروبي والمؤسسات العابرة للحدود،
  • سياسات الهجرة،
  • وقمع المعارضة السياسية في بعض الدول الأوروبية.
واشنطن تدعو إلى إحياء القومية الأوروبية… وتبارك صعود اليمين المتشدد

الوثيقة تدافع بشكل صريح عن إحياء القوميات الأوروبية، وتحثّ الدول على “احتفالات غير معتذرة بهويتها وتاريخها الوطني”، معتبرة أن صعود الأحزاب “الوطنية”—وهو تعبير يُستخدم عادة للإشارة إلى اليمين المتشدد والشعبوي—هو “سبب كبير للتفاؤل”.

وتذهب الاستراتيجية أبعد من ذلك لتدعو إلى تدخل مباشر في الشأن السياسي الداخلي لدول حليفة للولايات المتحدة، عبر:“تنمية المقاومة لسياسات الاتحاد الأوروبي داخل الدول الأوروبية نفسها.”

ويرى محللو CSIS أن هذا الموقف يمثل انقلابًا على العقيدة الأميركية التقليدية التي دعمت لعقود طويلة الوحدة الأوروبية واندماجها، باعتبار ذلك ضمانة للسلام ومنعًا لعودة النزعات القومية التي دمّرت القارة مرتين في القرن الماضي.

ويستشهد المركز بتصريح الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور في 1957، عند إنشاء السوق الأوروبية المشتركة:“إن اليوم الذي تصبح فيه السوق المشتركة واقعًا سيكون من أعظم أيام التاريخ الحر، وربما أهم من الانتصار في الحرب.”

تمويل محتمل للأحزاب اليمينية… ودور متوقع لشركات التكنولوجيا والاستخبارات

ويتوقع التقرير أن يتم تنفيذ هذه الاستراتيجية عبر ثلاثة مسارات رئيسية:

1. إعادة توجيه التمويل الأميركي لدعم اليمين المتشدد

بعد التخفيضات الكبيرة في موازنات دعم الديمقراطية، وإلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، قد تُعاد برمجة مبالغ ضخمة لدعم أحزاب قومية في أوروبا.
ويبيّن التقرير أن مبالغ صغيرة نسبيًا يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الاستحقاقات الانتخابية في الدول الأوروبية، نظرًا لصرامة أنظمة التمويل السياسي.

2. شركات التكنولوجيا الأميركية في مواجهة اللوائح الأوروبية

تشير الوثيقة إلى نية واشنطن مواجهة قواعد تنظيم المحتوى في أوروبا، خاصة القوانين التي تقيد خطاب الكراهية أو تحظر الأحزاب ذات الأيديولوجيا النازية.
ويحذّر التقرير من أن الشركات الأميركية قد تعمل على تضخيم المحتوى اليميني المتشدد داخل أوروبا، بدعم سياسي مباشر من البيت الأبيض.

3. تدخل استخباراتي محتمل

يمتلك جهاز الاستخبارات الأميركية أدوات قوية استخدم بعضها خلال الحرب الباردة لدعم حركات سياسية داخل أوروبا.
ويتساءل التقرير عما إذا كانت الإدارة مستعدة لإعادة استخدام هذه الأدوات لتغيير المشهد السياسي الأوروبي جذريًا.

سيناريو المواجهة: هل يتفكك التحالف التاريخي؟

يرى التقرير أن الاتحاد الأوروبي وقادته لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تدخل سياسي مباشر من الولايات المتحدة.
ورغم أن الاستراتيجية الأميركية تنطلق من افتراض أن القادة الأوروبيين “ضعفاء”، إلا أن ردود الفعل قد تكون قوية، وربما تقود إلى:

  • صدام سياسي مباشر عبر الأطلسي
  • تمزق داخل حلف الناتو
  • إعادة صياغة العلاقات الأميركية–الأوروبية من جديد

ويذهب التقرير إلى أن تنفيذ الاستراتيجية قد يعني فعليًا السعي إلى إسقاط معظم القادة الأوروبيين الحاليين المنتمين إلى أحزاب الوسط التقليدية.

يؤكد ماكس بيرغمان، مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز CSIS، أن الوثيقة ليست مجرد ورقة سياسية عابرة، بل “إعلان نوايا مكتمل”، مشيرًا إلى أن عواقب تنفيذها قد تمتد لسنوات وربما عقود.

ويضيف أن أوروبا مطالبة بالتعامل مع هذه الوثيقة “كإنذار مبكر”، لأن ما تحمله من رسائل يعادل—في سياق العلاقات عبر الأطلسي—بداية إعادة رسم للخريطة السياسية داخل أوروبا نفسها.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!