يدرك قادة دول الخليج أن الصين وروسيا، بل وحتى ما يسمى بـ”حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”، لا يستطيع أي منهم أن يقدم بديلاً يعوض الحجم والقدرات والالتزامات الاستراتيجية التي توفرها واشنطن، رغم مساعي هؤلاء القادة المستمرة بإعادة ضبط الشراكة مع الولايات المتحدة، ولا سيما في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قطر.
لقد أدى الهجوم الذي شنته إسرائيل على قادة حركة “حماس” في الدوحة في التاسع من سبتمبر إلى زعزعة استقرار المنطقة، وإثارة موجة جديدة من الشكوك بشأن مدى موثوقية الالتزامات الأمنية الأمريكية. فقد دأبت واشنطن على السعي إلى ترسيخ بيئة إقليمية مستقرة يتجنب فيها شركاؤها الصدام المباشر، إلا أن هجوم الدوحة مثّل خرقاً واضحاً لذلك النهج.
بيد أنه لا يلوح في الأفق المنظور بديل واقعي للدور الأمني الذي تضطلع به الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فقد تعرضت قطر وسائر دول الخليج لهجمات أخرى عجزت واشنطن عن ردعها أو معاقبة منفذيها فورا، مثل الهجمات التي استهدفت منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية بالطائرات المسيرة والصواريخ في عامي 2019 و2020.
لا يملك المعتدلون في المنطقة رعاة بديلين موثوقين أو سياسية قادرة على إبقائهم خارج نطاق الخطر، فيما تظل الالتزامات الأمنية الأمريكية، ركيزة جوهرية بأوجه متعددة.
الانفصال عن الولايات المتحدة لا ينحصر في إيجاد شركاء جدد، بل يتطلب إعادة بناء البنية التحتية الدفاعية للمنطقة من الصفر. هنا يبرز السؤال الأول:
من يمكنه تولي الدور الذي اضطلعت به الولايات المتحدة عام 1990 بعد غزو صدام حسين للكويت؟ من يمكنه قيادة وتنظيم وتوفير الجزء الأكبر من القوة اللازمة لرد فاعل على عدوان واسع النطاق؟
أما السؤال الثاني فهو: من غير واشنطن كان يمكنه إدارة وقف إطلاق النار في غزة؟ من المرجح أن تواصل دول الخليج والدول الإقليمية اتخاذ خطوات تكتيكية تعبر من خلالها عن استيائها من واشنطن، مثل الاتفاق الأمني السعودي الباكستاني الأخير والمناورات العسكرية المصرية التركية.
كما قد تلجأ بعض الدول إلى ما يمكن وصفه بالتحوط الدبلوماسي من خلال زيارات رسمية إلى بكين أو موسكو، أو إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا أو الصين. بيد أن هذه التحركات تتصل بالضغط أكثر منها بالولاء، إذ تهدف بالدرجة الأولى إلى تذكير واشنطن بأن دول الخليج تمتلك خيارات أخرى، وستلجأ إليها على نحو متزايد إذا لم تتحرك الولايات المتحدة لردع السلوك الإسرائيلي.
في هذا السياق، يشير موقف الرئيس ترامب الأخير الرافض ضم الضفة الغربية، واعتذار نتنياهو المباشر الذي قدمه إلى القطريين تحت ضغط أمريكي، إضافة إلى الضمانات الأمنية الإضافية المتضمنة في أمر تنفيذي، واجتماع قادة الدول الإسلامية البارزين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، كل ذلك يدل على أن واشنطن بدأت تستوعب الرسالة. رغم تنامي الإحباط الخليجي من السياسات الأمريكية، يدرك قادة المنطقة أن الولايات المتحدة تظل الطرف الوحيد الذي يمتلك الحجم والقدرات والالتزامات البعيدة المدى اللازمة لتوفير مظلة أمنية موثوقة.
بيد أن هؤلاء القادة يسعون إلى إعادة ضبط الشراكة مع واشنطن من خلال تنسيق أكثر شفافية، وضمانات أمنية أقوى، وقبل كل شيء، التزام أمريكي واضح وموثوق بعدم تكرار أزمة مماثلة لتلك التي شهدتها الدوحة.

