تحت عنوان “كافون وداعا ايها الطائر الزاهد ” كتب الشاعر منصف المزغني يوم رحيل الفنان أحمد العبيدي شهر كافون الذي خلف لوعة في قلوب من يعرفهم ولا يعرفهم من الذين دندنوا معه أغنية حوماني .
طفلاً خفيف الظل ، جميلَ الروح ، ذكيَّ الملامح ، وبسيطَ الغناء ،،عاش كافون ،،،
وفي غير ادعاء ، أو تطاول على من سبقه في عالم الغناء
لم يقل انه الاول وانه المبادر ،
كان الناس يقولون انه الصوت الاحتجاجي الاول الذي بشّر بالثورة
كانت ( حوماني ) نشيدا يحفر في احزان مكتومة ،،،
لم تكن كلمات الاغنية ذات عبقرية ، ولكن كانت ذات بلاغة جارحة تمنح العصفور الصغير طاقة على الوشوشة المسموعة ساعة الخروج من العش ،،
***
حمل كافون اغنيته في صدره الصغير وجسمه النحيل ،،، ليقول ( هذه اغنيتي )
وطارت الاغنية بحناحين من حق وصدق ،
وقد عاش فنانا قليل الكلام ، جميل الروح في غنائه الذي وصل الى الناس على حنجرة لم تكن صدّاحة الا بذلك النفس السرّي من الصدق ،،،
لم يذهب كافون الى التلفزيون
صار التلفزيون هو الذاهب الخاطب ودّ كافون
***
رحل كافون رائدًا لاغنية جديدة احبها جيل الشباب ،في تونس وخارجها ،،،
وصار على جيل الكهول ان يصغوا اليه ،، اليها ،،
، لقد نفذت الاغنية واخترقت الاجواء ،،،
رغم انها لم تسمع من الاذاعة في اول امرها ،،،،
كانت ( حوماني ) اي ابن الحومة ، اغنية يجرها صوت كافون المنهك ،،،
مثلما يجر الموجوع عربة من الآلام في قلنسوته الشبيهة ب( بوب مارلي ) ،،، وكانت هي زيّه الرسمي ،،،
وصارت الاغنية نوعا من النشيد الشبابي الحزين المتوتر أيام الثورة التونسية في اواخر 2010;ومطالع 2011 ,,,,
بل صارت هذه الاغنية نشيدا يوميا في حنجرة يقودها صوت كافون الحزين ، واللامبالي ، والهادئ والثائر معا ،،،
عاش صاخبا رغم هدوئه وثورة نفسه لكرامته التي لم تطلب لها شيئا غير الحفظ والاحترام ،،،
رحم الله كافون ،
فقد كان صوت الحزانى الجميل ،
وكان ذا رقة تنطوي على عنف لطيف وساخر وخفي ،، وناعم ،
وكان طيب المعشر ، شديد التواضع ، مثل روحه التي عرفها من عرفه ،
ولمسها من اقترب منه مرة ،
وعاش قائد اتجاه نافر ومغامر في مقام الاغنية التونسية الحديثة
وهي تحكي ،،، ( حوماني ) وكانها ( حرماني )
بصوت يشبه الحزن المعتق الذي يخفي التحدي النافر ذي الاظافر في مطالع القرن الحادي والعشرين في تونس الثائرة ،،،
@
وعاش كافون مكتفيا بما هو فيه ،
بسيطا مثل فراشة كان،
ومحلّقا مثل نسر ولكن بروح عصفور أخفّ من ريشة ،،،
وكان صوته يطير
بحزن رفيع ، كمن فقد في الريح عشّه الاول
وقرر استرجاعه على غصن من رقيق الشجر وصادق الشجن .

