أثارت النسخة المصادق عليها من مشروع قانون الضريبة على الثروة جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والمالية، بعد أن تم حذف فقرة أساسية كانت تُخضع الأموال المودعة في البنوك والمؤسسات المالية والبريد التونسي للضريبة، وهو ما مثّل تغييرًا جذريًا في فلسفة القانون ومجاله التطبيقي.
وكانت النسخة الأولى من المشروع تعتمد مقاربة شاملة تتماشى مع المعايير الدولية للضرائب على الثروة، حيث تشمل جميع الممتلكات دون استثناء، سواء كانت ثروة مالية أو مادية. غير أن النسخة النهائية التي صادق عليها المجلس حصرَت الضريبة في العقارات والأصول التجارية والمنقولات المكتسبة، مع استثناء كامل للودائع البنكية والمالية.
واعتبر خبراء أن هذا التغيير قلّص نطاق الضريبة بشكل كبير وأعاد تعريفها جذريًا، بما يمثّل اختلالاً خطيرًا في مبدأ العدالة الجبائية.
مفارقة صارخة في التطبيق
ومن أبرز مظاهر هذا الخلل، وفق قراءات اقتصادية، أن مواطناً يستثمر 3,5 ملايين دينار في الأسهم وصناديق الاستثمار والعقارات سيكون مطالبًا بدفع الضريبة، في حين يُعفى تمامًا مواطن آخر يملك ودائع بنكية بقيمة 40 مليون دينار.
وتكشف هذه المفارقة، بحسب المختصين، عن انعدام التكافؤ الضريبي، حيث يُثقل كاهل رأس المال المنتج، في حين تُحمى المدّخرات الجامدة داخل البنوك، بما يُعمّق الاختلال في توزيع الأعباء ويقوّض أسس العدالة الجبائية.
مخاطر على البورصة والاستثمار
وحذّرت منظمة “آلارت” من أن استبعاد الثروة المالية من الوعاء الجبائي قد يدفع المستثمرين إلى بيع الأسهم وحصص شركات الاستثمار وصناديق الـOPCVM وتحويل أموالهم نحو الودائع البنكية وحسابات الادخار المعفاة.
ويرى الخبراء أن هذا السلوك، وإن كان عقلانيًا وفق الصيغة الحالية للقانون، قد يؤدي إلى:
- تقلّص السيولة في بورصة تونس،
- انسحاب المستثمرين المؤسساتيين من شركات رأس المال المخاطر (SICAR)،
- تراجع كبير في صناديق الـOPCVM ذات المكوّن الأسهمي.
وفي المقابل، ستكون البنوك المستفيد الأكبر من هذا التحول، بما يعزّز موقعها المهيمن داخل المنظومة المالية، ويرفع من تركيز المدّخرات داخل القطاع البنكي على حساب تمويل الاستثمار المنتج، وهو ما يمثّل خطراً نظامياً حقيقياً على الاقتصاد الوطني.
تحذير من ذعر مالي محتمل
وحذّرت المنظمة من أن هذا التعديل لا يهدد فقط صناديق الاستثمار، بل يفتح أيضًا الباب أمام احتمال اندلاع حالة ذعر داخل البورصة التونسية نتيجة التحويل المفاجئ لرؤوس الأموال نحو القنوات المعفاة، بما قد يؤدي إلى:
- اضطراب حاد في الأسواق المالية،
- تراجع الثقة في أدوات الاستثمار،
- تفاقم المخاطر النظامية على الاقتصاد الوطني بأسره.
ودعت منظمة آلارت مجلس نواب الشعب إلى تدارك هذا الخطأ الجسيم وتصحيحه قبل المصادقة النهائية على القانون ونشره، حفاظًا على العدالة الجبائية واستقرار المنظومة المالية.

