يتواصل الجدل في تونس حول أزمة تمويل عدد من المنظمات الوطنية ذات المصلحة العمومية، وعلى رأسها الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، في ظل تواصل تأخر صرف الميزانيات المرصودة لها رغم المصادقة عليها ضمن قوانين المالية.
ويُعدّ الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية منظمة وطنية ذات مصلحة عمومية، على غرار كل من اتحاد الفلاحين، والاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد النسائي التونسي (اتحاد المرأة حاليًا). وتعتمد ميزانية الاتحاد أساسًا على تجميع مساهمات رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات عبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، بنسبة 0.5 بالمائة من الرسوم المفروضة على الدخل والأجور في القطاع الخاص.
وبحسب الإطار القانوني المنظم، يتم تحويل هذه الأموال لاحقًا إلى رئاسة الحكومة، ثم تُدرج ضمن ميزانية الاتحاد استنادًا إلى أحكام القانون عدد 101 لسنة 1974، وهو قانون المالية الصادر في نهاية ديسمبر 1974 والمتعلق بالسنة الإدارية والمالية لسنة 1975، إبّان رئاسة الحكومة من قبل المرحوم الهادي نويرة. كما يتم اعتماد هذه الميزانيات سنويًا بصفة علنية ضمن مداولات قانون المالية داخل البرلمان، سواء في صيغة المجلس الواحد أو المجلسين.
غير أن مصادر متطابقة تفيد بأنه منذ بداية سنة 2024، شرعت رئاسة الحكومة في التلكؤ والتسويف في صرف ميزانيات عدد من المنظمات الوطنية، في مسار بدأ بشكل محدود ثم تفاقم تدريجيًا. وقد أسفر هذا الوضع عن عدم تمكين اتحاد الصناعة والتجارة من ميزانيتي سنتي 2024 و2025، وهو ما ينطبق أيضًا على اتحاد الفلاحين، الذي بلغت أزمته حدّ العجز عن خلاص أجور موظفيه والمتعاملين معه.
وفي هذا السياق، كشفت معطيات متداولة أن موظفي اتحاد الفلاحين لم يتقاضوا رواتبهم لأكثر من أربعة أشهر، ما دفعهم إلى اللجوء للقضاء ورفع دعاوى أمام المحاكم الابتدائية، في ظل ما وُصف بتضييق مالي متواصل على المنظمات الوطنية، دون توضيح رسمي لأسبابه.
أما بالنسبة لاتحاد الأعراف، فيؤمّن الاتحاد قرابة 90 موطن شغل مباشر لموظفين وإطارات ومستشارين اقتصاديين ومحاسبين وماليين ذوي كفاءات عالية، إضافة إلى نحو 100 موطن شغل غير مباشر. وقد أدّت الأزمة المالية الحالية إلى وضع اجتماعي حرج لهؤلاء العاملين، الذين يواجهون صعوبات متزايدة في الإيفاء بالتزاماتهم المعيشية، من سكن وكراء، ونفقات دراسة أبنائهم، والقروض البنكية، ومصاريف العلاج والتأمين الصحي، فضلًا عن المصاريف اليومية الأساسية.
وتؤكد مصادر من داخل الاتحاد أنه إلى حدّ اليوم، لا يتحصل الموظفون إلا على أجزاء من رواتبهم، مع غياب التغطية الصحية وعدم خلاص المساهمات الراجعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما بلغ حدّ تعذر إجراء عملية جراحية مستعجلة لأحد الموظفين، قبل تدخل شخصي من المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض لتفادي خطر صحي جسيم.
ويُذكّر متابعون بأن ميزانية الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية هي في الأصل أموال كل رجال الأعمال في القطاع الخاص، من كبرى الشركات إلى أصغر التجار، بنسبة 0.5 بالمائة من مجمل اشتراكات الضمان الاجتماعي، وتُرصد وتُكتب بكل شفافية ضمن قوانين المالية السنوية. ويعتبر هؤلاء أن الإعلان عن رصد الاعتمادات دون صرفها فعليًا يُثير تساؤلات جدية حول احترام قواعد الحوكمة واستمرارية الدولة، خاصة وأن تغيير الحكومات لا يُفترض أن يؤثر على التزامات الدولة ومؤسساتها.
وفي ظل هذا الوضع، تتصاعد التساؤلات حول أسباب الإبقاء على هذا الخنق المالي، وحول مدى استعداد الحكومة للتدخل العاجل لمعالجة الأزمة وضمان استقرار المنظمات الوطنية وقدرتها على الاضطلاع بدورها الاقتصادي والاجتماعي.

