عاد اسم نواف الزيدان إلى الواجهة بعد ظهوره الإعلامي الأخير، كاشفًا تفاصيل دوره في تسليم عدّي وقصي صدام حسين وابن قصي مصطفى وحارسهم عبد الصمد الحدّوشي للقوات الأمريكية سنة 2003. ظهورٌ أعاد فتح واحد من أكثر الملفات إثارة للجدل في تاريخ العراق الحديث: ملف الخيانة حين تُقدَّم باعتبارها «اختيارًا عقلانيًا» أو «قرارًا سياسيًا».
الزيدان، الذي كان من قيادات حزب البعث ومن المقرّبين للنظام في الموصل، هو من عرض استضافة عدّي وقصي في منزله، متعهدًا بالحماية والأمان، قبل أن يتوجّه لاحقًا إلى مقر القيادة العسكرية الأمريكية في نينوى ليقدّم وشايته مقابل مكافأة مالية قُدّرت بـ30 مليون دولار.
شهادات عسكرية أمريكية نُشرت لاحقًا أكدت أن الزيدان حضر طوعًا، وقدم أوصافًا دقيقة، واجتاز اختبار جهاز كشف الكذب، ما عجّل باتخاذ قرار تنفيذ العملية العسكرية التي انتهت بمقتل من كانوا في المنزل. الأخطر في الرواية ليس فقط فعل الوشاية، بل السياق الأخلاقي الذي أحاط بها: لم تكن تحت إكراه، ولا نتيجة تعذيب أو حصار، بل خيارًا واعيًا نُفذ ببرود.
في حواره الأخير، بدا الزيدان مضطربًا، يحاول تبرير ما حدث باعتباره «القرار الصحيح»، في خطاب يفتقر إلى أي اعتراف أخلاقي بالمسؤولية. وهو ما يعيد طرح سؤال جوهري: هل يمكن للمال أو الحماية أو المنفى المترف أن يمنح فعل الخيانة شرعية متأخرة؟
المفارقة أن الزيدان، بحسب معطيات كُشف عنها سنة 2018 على لسان نجل طاهر جليل حبوش، رئيس جهاز المخابرات العراقي الأسبق، يعيش في دولة خليجية بعد تغيير اسمه وأسماء أفراد عائلته، ويتمتع بحماية رسمية. غير أن تغيير الأسماء لا يغيّر الوقائع، ولا يمحو أثر الفعل في الذاكرة السياسية والأخلاقية.
في الثقافة العربية، ظل مبدأ «الجار والمستجير» خطًا أحمر لا يُمسّ، بغض النظر عن الموقف السياسي أو الخلاف أو حتى الجريمة. فالدار قد تُهدم، لكن من استجار بها لا يُسلَّم. هذا المبدأ لم يكن شعارًا أخلاقيًا مجردًا، بل قاعدة سلوكية صاغت معنى الشرف والمروءة عبر التاريخ.
لهذا، لا يُنظر إلى ما قام به نواف الزيدان باعتباره «ذكاءً سياسيًا» أو «براغماتية»، بل باعتباره انهيارًا كاملًا لمنظومة القيم التي تفصل بين الخلاف والخذلان، وبين النجاة والخيانة.
ربما يفسّر هذا المشهد، بأبعاده القاسية، الصورة التي بقيت عالقة في الذاكرة يوم أُعدم صدّام حسين: رجل واجه نهايته دون ارتباك. فحين تأتي الضربات من الداخل، من أقرب الدوائر، يصبح ما يفعله الخصوم تفصيلاً ثانويًا.
في النهاية، قد تُشترى القصور، وتُغيَّر الهويات، وتُعاد صياغة الروايات… لكن التاريخ لا ينسى، والمال لا يمنح شرفًا، ولا يبرّر خيانة من استجار بك ووثق في عهدك.

