نظّمت فرنسا والمملكة العربية السعودية هذا الأسبوع مؤتمراً دولياً في مقرّ الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، تحت عنوان “التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين”، بمشاركة واسعة من ممثلين عن عشرات الدول والمنظمات الدولية، في ظلّ مقاطعة لافتة من الولايات المتحدة التي اعتبرت المؤتمر “مسرحية دعائية” لا تخدم السلام.
وفي كلمته الافتتاحية، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو: “بعد 80 عاماً من تأسيس الأمم المتحدة، لا يمكننا قبول استهداف المدنيين، النساء والأطفال، عندما يتوجهون إلى مواقع توزيع المساعدات. هذا أمر غير مقبول”. وأضاف أن المشاركة الواسعة في المؤتمر تعكس “الإجماع الدولي المتزايد على ضرورة وقف الحرب في غزة، والانطلاق نحو تسوية شاملة تقوم على حلّ الدولتين”، معتبراً أن المؤتمر يمثل “نقطة تحوّل” في هذا المسار.
وأكد بارو أن التوصل إلى تسوية عادلة يتطلب “تنفيذ حل الدولتين الذي يلبي التطلعات المشروعة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين في العيش بأمن وسلام”، مشيراً إلى أن “مؤتمر نيويورك أطلق زخماً غير مسبوق نحو حل سياسي لا يمكن وقفه في الشرق الأوسط”.
من جانبه، اعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أن المؤتمر يشكل “محطة مفصلية نحو تفعيل حلّ الدولتين وإنهاء الاحتلال وتجسيد رؤية عادلة ومستدامة للسلام في المنطقة”. ورحّب بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، واصفاً ذلك بأنه “خطوة تاريخية تعكس تنامي الدعم الدولي لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة”.
وشدد الوزير السعودي على أن “تحقيق الأمن والازدهار لجميع شعوب المنطقة يبدأ بإنصاف الشعب الفلسطيني”، مجدداً موقف بلاده الداعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي السياق ذاته، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام المؤتمر أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي “استمر لأجيال ودمّر آمال شعوب بأكملها وزعزع الاستقرار الإقليمي والدولي” ليس قَدَراً محتوماً، وأن حله “ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية والقيادة الشجاعة”.
وفي المقابل، هاجمت واشنطن المؤتمر بشدة، حيث وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، الحدث بأنه “مؤتمر غير مثمر وفي غير أوانه”، مضيفة أنه “لا يعدو كونه عرضاً دعائياً يقوّض الجهود الواقعية لإنهاء النزاع”.
وقالت بروس إن المؤتمر “سيطيل أمد الحرب ويشجع حركة حماس ويكافئ عرقلتها”، مؤكدة أن “الولايات المتحدة لن تشارك في هذه الإهانة لكنها ستواصل قيادة الجهود الواقعية لوقف القتال وتحقيق سلام دائم”. وانتقدت بروس بشدة إعلان الرئيس ماكرون حول الاعتراف بدولة فلسطين، مشيرة إلى أن حماس رحّبت به، وأن ذلك “يشجع على مزيد من التعطيل ويقوض فرص التوصل إلى وقف إطلاق النار”.
ويأتي انعقاد المؤتمر في ظل انسداد سياسي كامل في المسار التفاوضي، وتصاعد غير مسبوق في العمليات العسكرية في غزة، وسط انقسام دولي متزايد بين من يطالبون بفرض حلّ الدولتين كشرط للسلام، ومن يعتبرون أن الوقت غير مناسب لمثل هذه المبادرات.

