أثارت صور حديثة نُشرت على صفحة “معًا من أجل القيروان” على موقع فيسبوك، تُظهر الحالة المتدهورة لفسقية الأغالبة الشهيرة، موجة من التنديد والغضب وسط أبناء الجهة والمهتمين بالشأن التراثي والسياحي في تونس.
في هذا السياق، عبّر الدليل السياحي الشادلي بوراس عن خيبة أمله من الصورة التي تقدمها المدينة للسياح الأجانب، الذي كتب متألمًا:“أنا دليل سياحي، نبدى جاي للقيروان نحكي بكل فخر وعزّة عن تاريخ مجيد وحضارة عريقة… مع الأسف، أول زيارة هي الفسقيات… اتخيلوا وحدكم موقفي قدّام السواح الأجانب والصورة اللي نقدموا فيها على بلادنا.”

من جانبه، كتب الشادلي كشاط، وهو على ما يبدو أحد أبناء القيروان، تعليقًا يختزل المأساة التنموية المرتبطة بسوء استغلال التراث:“معلم تاريخي، لو أحسنّا استغلاله لكان مقصدا للسواح والزائرين وأهل القيروان، ولساهم في إثراء الحياة الاقتصادية والثقافية للمدينة وكذلك موردًا لتمويل الخزينة… انظروا إلى تركيا كيف تشتغل تراثها وتجني منه الأرباح الطائلة من معاليم الدخول.”

كما نشر الباحث ومدير مركز جينيف للسياسات العربية، الدكتور سامي الجلولي، تدوينة مؤثرة وصف فيها المشهد بـ”العبثي”، وكتب:“هذا حال فسقية الأغالبة بالقيروان… نتحدث عن معلم مائي يعود إلى القرن التاسع ميلادي… تاريخ يمتد لـ1200 سنة، عجزوا عن صيانته والحفاظ عليه.”
وأضاف الجلولي:“الفسقية في حاجة إلى تصور شامل وراديكالي… ماذا لو اتحد خبراء الآثار والمهندسون والمصممون والبستانيون (paysagistes) وأعادوا تشكيل هذا المعلم، أسوة بدول أوروبية عديدة؟ الأمر لا يتطلب موارد مالية ضخمة، بل يتطلب رؤية، عزيمة، وإرادة سياسية جدية نحو المستقبل.”
فسقية الأغالبة: معلم عريق من القرن التاسع
تُعد فسقية الأغالبة من أبرز المعالم التاريخية في مدينة القيروان، وقد شُيّدت في عهد الأمير الأغلبي أبو إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب سنة 248 هجريًا (862 ميلاديًا)، وهي من أقدم وأهم المنشآت المائية في العالم الإسلامي.
شُيدت الفسقية لتكون خزانًا ضخمًا للمياه، يتكون من حوض رئيسي دائري يبلغ قطره نحو 128 مترًا، وعمقه أكثر من 4.5 متر، ويُحيط به 15 دعامة خارجية ضخمة، فيما كانت تُستخدم لتجميع مياه الأمطار والمياه القادمة من الأودية والجبال المحيطة عبر قنوات مائية متطورة.
وتعتبر الفسقية، إلى جانب جامع عقبة بن نافع، رمزًا من رموز القيروان، وعلامة فارقة في الهندسة الإسلامية المبكرة.

