يقول الخبير الاقتصادي أرام بلحاج أنك حين تدعو إلى إيجاد حلول عملية للفلاح، وأن تحثّ على تمكينه من تحقيق أرباح محترمة في موسم استثنائي، فهذا حقك، بل هو واجبك كخبير اقتصادي.
أمّا أن تتهم من يقدّم معطيات واقعية وموثّقة بحماية اللوبيات، وأن تُغالط الرأي العام بالقول إن الأسعار تشهد ارتفاعًا في الأسواق العالمية، ثم تذهب إلى حدّ الدعوة إلى ضرب منظومة زيت الزيتون بأكملها عبر المطالبة بوقف إنتاج وتصدير الصابة، فذلك تجاوز خطير وإضرار مباشر بمصالح الناس والفلاحين والاقتصاد الوطني ككل.
والأخطر من ذلك أن هذه الطروحات تتناقض صراحة مع المعطيات الرسمية الدولية.
فـتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) يؤكد بوضوح أن موسم الزيتون في تونس لموسم 2025/2026 استثنائي بامتياز، مع توقع محصول قياسي يفوق 400 ألف طن، ما يضع تونس في مرتبة ثاني أكبر منتج عالمي لزيت الزيتون بحصة تقارب 13% من الإنتاج العالمي. كما يشير التقرير إلى تراجع الأسعار العالمية للزيوت النباتية وزيت الزيتون تحديدًا نتيجة وفرة العرض واحتدام المنافسة، لا إلى ارتفاعها كما يتم الترويج له.
وعليه، فإن كل الدعوات إلى إيقاف الإنتاج أو تعطيل التصدير هي دعوات غير مبررة، وتضرب أحد أهم القطاعات الاستراتيجية للبلاد. فسعر البيع الحالي في السوق المحلية، الذي يتراوح بين 10 و12 دينارًا للتر الواحد، يُعدّ سعرًا مقبولًا جدًا، ويمكّن الفلاح من تغطية كامل التكاليف بهامش مريح، وهو ما تؤكده المعطيات الميدانية.
وفي هذا الإطار، فإن المطلوب ليس إيقاف الإنتاج، بل تحمّل كل طرف لمسؤوليته:
- الدولة مطالَبة بتسهيل عمليات التصدير، وتوفير حلول التخزين عند الاقتضاء،
- أصحاب المعاصر مطالبون بتفادي الاحتكار والمضاربة،
- المستثمرون والمصدّرون مطالبون بمزيد تثمين زيت الزيتون التونسي وفتح أسواق جديدة وواعدة، لمجابهة انخفاض الأسعار عالميًا دون تحميل الفلاح كلفة ذلك.
إن استهداف منظومة زيت الزيتون في موسم قياسي، خلافًا للمعطيات الصادرة عن الفاو، لا يخدم لا الفلاح ولا الاقتصاد الوطني، بل يفتح الباب أمام خسائر جماعية لا مبرر لها.

