عبر مقال رأي نشرته اليوم صحيفة واشنطن بوست قال نفتالي بندافيد* أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقود تحوّلًا جذريًا في النظام الأخلاقي والرقابي الذي أنشأه الكونغرس الأميركي قبل نصف قرن عقب فضيحة ووترغيت. ويشير التقرير إلى أن ترامب لا يسعى فقط إلى تحدي هذا الإرث، بل يعمل بشكل ممنهج على تفكيك الأدوات القانونية التي وُضعت لمنع تكرار ما فعله الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون.
تفكيك ممنهج لمنظومة الرقابة
من أبرز ما ورد في التقرير:
- إقالة جماعية للمفتشين العامين:
منذ توليه الرئاسة، أقال ترامب أكثر من 15 مفتشًا عامًا من مؤسسات حساسة، ما أثار قلقًا من أن هذه الهيئات الرقابية أصبحت بلا أنياب ولا قدرة حقيقية على المحاسبة. - إضعاف مكتب مكافحة الفساد السياسي:
قسم النزاهة العامة (PIN) التابع لوزارة العدل، والذي يُعنى بملاحقة قضايا الفساد ضد المسؤولين الحكوميين، تراجع دوره بشكل كبير. عدد موظفيه تقلّص من أكثر من 30 إلى خمسة فقط، وتراجعت صلاحياته بشكل دراماتيكي. - انتهاك صريح لقانون إدارة الأموال:
في سابقة خطيرة، خالف ترامب “قانون السيطرة على الاعتراضات المالية” (Impoundment Control Act)، الذي يمنع الرؤساء من منع تنفيذ الميزانيات التي يقرّها الكونغرس، وهو تصرف يعيد إلى الأذهان ممارسات نيكسون والتي كانت سببًا مباشرًا في إقرار هذا القانون.
استهداف الهيئات المستقلة
بحسب الصحيفة، فإن ترامب يسعى أيضًا للسيطرة على عدد من الهيئات المستقلة، مثل “لجنة الأوراق المالية والبورصات” و”مكتب الأخلاقيات الحكومي”، من خلال أوامر تنفيذية تجعل هذه المؤسسات خاضعة مباشرة للبيت الأبيض، مما يفقدها حيادها واستقلاليتها.
فلسفة “الرئيس الموحد”
تؤكد واشنطن بوست أن ما يفعله ترامب يعكس تبنّيه لفكرة “الرئيس الموحد” (Unitary Executive)، وهي نظرية قانونية متطرفة تفترض أن للرئيس سلطة تنفيذية مطلقة لا تخضع لرقابة تُذكر من باقي مؤسسات الدولة.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه يهدد الفصل بين السلطات ويضعف من قدرة الكونغرس والمحاكم على محاسبة السلطة التنفيذية، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان أجواء ما قبل ووترغيت.
هل من مقاومة مؤسساتية؟
رغم أن بعض المحاكم الفيدرالية تحاول التصدي لهذه التوجهات، إلا أن واشنطن بوست تلفت إلى أن ترامب نجح خلال ولايته الأولى في تعيين قضاة محافظين في المحكمة العليا، ما قد يساهم في تمرير رؤيته للسلطة الرئاسية المطلقة دون عقبات قانونية تُذكر.
خلاصة التقرير:
ما بدأ كنقاش قانوني حول صلاحيات الرئيس تحوّل الآن إلى معركة حقيقية حول مستقبل الحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة. فترامب لا يسعى فقط إلى العودة إلى البيت الأبيض، بل يريد أن يعود إليه برئاسة أقل تقييدًا وأكثر حرية في تجاوز الضوابط القانونية، وفقًا لما كشفته واشنطن بوست.
*عمل نفتالي بن دافيد في صحف ميامي هيرالد، وشيكاغو تريبيون، ومؤخرًا في وول ستريت جورنال. يتمتع بخبرة واسعة في السياسة، حيث غطى أخبار البيت الأبيض لصحيفة شيكاغو تريبيون، والكونغرس لصحيفة وول ستريت جورنال. غطى حملة آل غور الانتخابية وإعادة فرز الأصوات عام 2000، وألّف كتابًا عن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب الأمريكي عام 2006. من عام 2013 إلى عام 2015، عمل في بروكسل لصحيفة وول ستريت جورنال، حيث غطى أخبار الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والقضايا الاجتماعية الأوروبية. ظهر بن دافيد في برنامجي “Inside Politics” و”The Colbert Report” على قناة CNN. المؤهلات العلمية: بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا، وماجستير في الصحافة من جامعة نورث وسترن.
