منذ عام 2014، دخلت ليبيا في مرحلة أزمة سياسية عميقة انعكست على هيكل الدولة بالكامل، حيث انقسمت البلاد بين حكومة في طرابلس تمثل الغرب، وحكومة في بنغازي تمثل الشرق.
ويبلغ عدد الوزراء في كل حكومة 35 وزيرًا تقريبًا، ليصل مجموع الوزراء في ليبيا إلى نحو 70 وزيرًا يعملون في الوقت نفسه، وهو رقم استثنائي عالميًا لم تشهد أي دولة أخرى حالة مماثلة بهذا الشكل الرسمي.
ولم يقتصر الانقسام على الهيكل الإداري فقط، بل امتد إلى الميزانيات، إذ تعمل كل حكومة بميزانيتها الخاصة المستقلة. الحكومة الغربية في طرابلس تحدد إنفاقها على القطاعات المختلفة من الصحة والتعليم والخدمات العامة ضمن ميزانية منفصلة، بينما الحكومة الشرقية في بنغازي تمتلك ميزانية خاصة بها لتغطية احتياجات مؤسساتها وموظفيها، ما يضاعف الأعباء المالية ويزيد من التضارب في السياسات الاقتصادية على المستوى الوطني.
هذا الوضع الاستثنائي يعكس الصراع على الشرعية السياسية بين الشرق والغرب، ويضعف قدرة الدولة على توحيد القرارات الوطنية وإدارة الموارد العامة بفعالية. كما يزيد من التحديات الاقتصادية، إذ يؤدي وجود ميزانيتين منفصلتين إلى تضارب في الإنفاق، صعوبة في تحصيل الإيرادات، وتأخير في تمويل المشاريع الحيوية مثل البنية التحتية والطاقة والصحة، وهو ما ينعكس سلبًا على المواطن الليبي.
الأمر لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل له انعكاسات كبيرة على الوضع الأمني والسياسي، إذ يؤدي الانقسام إلى صعوبة تنسيق القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ما يزيد من الفراغ الأمني ويمنح الميليشيات المحلية هامشًا أكبر للعمل بشكل مستقل عن الدولة.
وبالنظر إلى أن ليبيا دولة غنية بالموارد النفطية، فإن هذا الانقسام يؤدي أيضًا إلى صعوبة إدارة صادرات النفط وتوزيع الإيرادات بشكل عادل، ويؤثر على الاستقرار المالي للدولة بأكملها.
في ظل هذه الظروف، تبقى ليبيا استثناء عالميًا، فهي الدولة الوحيدة التي تضم حكومتين متوازيتين رسميًا و70 وزيرًا في نفس الوقت، مع ميزانيتين مستقلتين تعمل كل منهما بمعزل عن الأخرى، مما يعكس حجم الانقسام السياسي العميق وتعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

