في تحول مفاجئ يثير جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية والسياسية، بدأت قطر بإعادة هيكلة إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، على خلفية التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وخصوصًا الحرب على غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 تحت شعار “طوفان الأقصى”.
يأتي هذا التحرك بعد أن تعرض مقر القناة في الدوحة لضربات صاروخية إسرائيلية، ما دفع الدوحة إلى إعادة تقييم دور القناة في سياستها الخارجية وإدارتها الداخلية.
وبحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية، فقد تم تعيين الشيخ ناصر بن فيصل آل ثاني، أحد أفراد العائلة الحاكمة والمسؤول السابق في وزارة الخارجية القطرية، مديرًا عامًا للجزيرة، خلفًا للجزائري مصطفى سواق، مما يُمثل نهاية مرحلة من النأي بالقناة عن السياسة الرسمية للدولة. ويرى خبراء أن هذا التعيين يعكس رغبة قطر في مراقبة الرسائل الإعلامية وتوجيهها بما يتوافق مع مصالحها الإقليمية والدولية، خصوصًا في ظل العلاقة الوثيقة بين تل أبيب وواشنطن.
ويشير أرييل أدموني، الباحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن، إلى أن هذه الخطوة تُعيد تعريف دور الجزيرة، حيث ستصبح السياسة التحريرية أكثر براغماتية وترتبط مباشرة بالمصالح القطرية، مع التركيز على حماية الدولة ومصالحها. وقد بدأت تغييرات فورية في المناصب الإدارية والتحريرية، شملت تعيين أحمد اليافعي مديرًا تنفيذيًا للقنوات، والشيخ عبد الله بن حمد بن ثامر آل ثاني نائبًا لمدير الجزيرة الإنجليزية، وعاصف حميدي مديرًا عامًا للقناة الإخبارية، وهو الصحفي الفلسطيني السابق في السلطة الفلسطينية.
ويُبرز التحول الجديد تشديد الرقابة على قسم الرأي في الشبكة، حيث أصبحت كل الآراء تُراجع بعناية وتخضع لمتابعة دقيقة لضمان انسجامها مع أهداف الدولة القطرية. كما يشير أدموني إلى أن الهدف من هذه التحركات هو تحييد الدور المتطرف لجماعة الإخوان المسلمين في التغطية الإعلامية للجزيرة، وتهدئة التوترات الإقليمية، واسترضاء واشنطن.
كما لاحظ مراقبون تغييرات في المحتوى، إذ لم تعد الأخبار المرتبطة بغزة تشغل الشاشة بشكل كامل، وظهرت مواضيع وملفات أخرى، مع ظهور محللين قطريين بارزين على الشاشة، بدل المحللين المرتبطين بخطاب شعبي أو جماعة الإخوان.
ويبدو أن قطر، التي كانت تعتمد على الجزيرة كأداة نفوذ ناعمة منذ عام 1996، بدأت مرحلة جديدة أكثر حذرًا وبراغماتية في إدارتها الإعلامية، حيث ستواصل الشبكة دعم الاستراتيجية الخارجية القطرية، لكنها لن تكون منفصلة عنها كما كان الحال في الماضي. وتشير التقديرات إلى أن الشبكة قد تطلق قريبًا نسخة عبرية موجهة للجمهور الإسرائيلي، ما يعكس توجه الدوحة لاستخدام الإعلام كأداة استراتيجيات متعددة الأوجه.
هذا التغيير يعكس تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية القطرية: من الاعتماد على حرية الصحافة لتبرير استقلالية الجزيرة، إلى ربط إدارة الشبكة مباشرة بمصالح الدولة، مع مراعاة العلاقات الإقليمية والدولية، خصوصًا مع واشنطن وتل أبيب. وهو ما يضع نهاية لحقبة من الجرأة الإعلامية القطرية ويدخل الجزيرة في مرحلة جديدة من الرقابة والمساءلة، لضمان عدم تأثير محتواها على أهداف الدولة القطرية الأمنية والسياسية.

