ولّدت مناقشة ومصادقة الحكومة الجزائرية على مسودة قانون التعبئة العامة حالة من التساؤل في الأوساط العامة بالبلاد، مما فتح المجال لتأويلات متعددة حول أبعاد هذه الخطوة وتوقيتها، رغم عدم إقرار الجهات العليا الدخول فيما يعرف بحالة تعبئة عامة.
وكانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت في بيانها، الأحد الماضي، أن مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون صادق في اجتماعه على مشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة يهدف إلى “تحديد الأحكام المتعلقة بكيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة، المنصوص عليها في المادة 99 من الدستور”.
وتنص هذه المادة على أنه “لرئيس الجمهورية أن يقرر التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني”.
ولم تعلن الجزائر حالة تعبئة عامة بشكل كامل يطابق مفهومها الدستوري العام منذ الاستقلال سنة 1962، إلا أنها سجلت حالتين تم تضمينهما ضمن التعبئة “الخاصة أو الجزئية” في حرب الرمال سنة 1963 والعشرية السوداء.

يقول أستاذ القانون الدستوري، موسى بودهان، إن القصد من مشروع قانون التعبئة العامة هو إعادة تنظيم وتحسين الإطار القانوني الموجود، كما هو الحال في قانون الطوارئ أو الحصار المعمول به سنة 1991، والذي تم التخلي عنه.
وبرأيه، فإن قانون التعبئة العامة، بصيغته المقترحة، هو أداة سيادية لحماية الجزائر ضمن منطق استباقي لا يُبنى على الخوف، بل على الوعي العميق بطبيعة التهديدات المعاصرة.
واعتبر بودهان -في حديثه للجزيرة نت- أن الذهاب نحو إطار قانوني جديد خاص بحالة التعبئة العامة خطوة لا بد منها، كونها تُمكّن الدولة بمختلف مكوناتها من تسخير قدراتها البشرية والمادية والاقتصادية والسياسية لمواجهة حالات استثنائية.
ورغم ارتباط مفهوم التعبئة برفع قدرات القوات المسلحة إلى المستوى اللازم لمواجهة أي خطر، بأسرع وقت ممكن واعتمادها على موارد بشرية تُعرف بـ “الاحتياط”، أشار بودهان إلى أن القانون لا يتعلق بنوع محدد من التعبئة، وإنما يخص التعبئة العامة بما تشمله من تعبئة إعلامية وسياسية ومدنية وعسكرية.
وتحدث عن ضرورة التفريق بين إقرار التعبئة العامة والمصادقة الخاصة على مشروع القانون المتعلق باستخدامها، “فالفرق شاسع وكبير جدا، خصوصا أن مجلس الوزراء لم يقر التعبئة العامة ولم يذهب إلى إعلان هذه الحالة المنصوص عليها في المادة، بل ذهب إلى المصادقة على مشروع القانون الخاص بها”.
من جانبه، يؤكد مدير مركز “أفريك جيوبوليتيك” للدراسات الإستراتيجية، أحمد ميزاب، أن هذه الخطوة تعكس وعيا جزائريا متقدما بأهمية التحصين المسبق، وأن الأمن القومي لم يعد يُدار من خلال ردود الفعل بل عبر الهندسة القانونية الوقائية.
ويقول للجزيرة نت إن اعتماد الحكومة الجزائرية لمسودة مشروع قانون التعبئة العامة ليس إعلانا عن الدخول في حالة طوارئ، ولا مؤشرا على نية فورية لإعلان التعبئة العامة، بل هو خطوة استباقية مدروسة هدفها تأسيس أرضية قانونية واضحة ومنظمة ومتدرجة، تمكّن الدولة من التحرك بسرعة وفعالية في حال ظهور تهديدات كبرى تمس أمنها القومي واستقرارها الداخلي.

