فتحت المعركة الليلية التي جدّت في أحد أحياء منطقة سكرة، والتي تورّط فيها عدد من مغنيي الراب التونسيين، الباب أمام تساؤلات حقيقية حول تحوّل بعض الأوساط المرتبطة بموسيقى الراب في تونس إلى منصات للتصعيد والعنف، على غرار ما حدث في بلدان أخرى شهدت جرائم دامية تورّط فيها فنانون ينتمون لهذا اللون الموسيقي.
الحادثة التي أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة بفتح تحقيق بشأنها، بعد تداول مقاطع مصوّرة توثّق أحداث عنف وتبادل ضرب بأسلحة بيضاء، تعود، وفق مصادر أمنية، إلى تجمّع لمغنيي راب وشبان آخرين في سكرة، سرعان ما تحوّل إلى مواجهة عنيفة، قبل أن يتفرّق الحاضرون قبيل وصول الأمن. وقد تم تحديد هويات عدد من المشاركين، بينهم أسماء معروفة في المشهد الفني الشبابي.
ورغم أن الراب في تونس، كما في بقية أنحاء العالم، انطلق كفنّ تعبيريّ عن التهميش والواقع الاجتماعي الصعب، إلا أن بعض رموزه أصبحوا اليوم – كما يحذّر مراقبون – جزءًا من مشهد مضطرب، تحكمه تصفية الحسابات، وتعززه ثقافة التباهي بالعنف والتمرد، بل وحتى بتجاوز القانون، في بعض الإنتاجات المصوّرة أو في التفاعلات عبر شبكات التواصل.
من “ديسات” إلى العنف المادي: عندما تتجاوز المعارك حدود الموسيقى
ويُثير تطوّر هذا النوع من السلوك قلقًا مشروعًا، لا سيما مع تزايد “المعارك الغنائية” أو ما يُعرف بـ”الديسات” بين الرابورات، التي غالبًا ما تبدأ بأغانٍ هجومية متبادلة، قبل أن تتحوّل إلى اعتداءات في الواقع.
وقد عرفت دول مثل فرنسا والولايات المتحدة حوادث مشابهة كانت لها نتائج مأساوية:
- في الولايات المتحدة، شكّلت تصفية مغنيي الراب الشهيرين “2Pac” و”Notorious B.I.G” في التسعينات علامة فارقة في علاقة الراب بالعنف.
- وفي فرنسا، وقعت في السنوات الأخيرة مناوشات عنيفة بين رابورات بارزين، من بينهم “Booba” و”Kaaris”، وصلت إلى العنف الجسدي داخل مطار باريس أورلي، ما استدعى توقيفهم ومحاكمتهم.
فهل تسير تونس على هذا الدرب؟ وهل تتحوّل “ثقافة الراب” من وسيلة للتعبير الفني إلى غطاء للتصادم والتجييش؟
وفي خضم هذا الجدل، حذّر مختصون في علم الاجتماع من خطورة التعميم، مؤكدين أن غالبية شباب الراب في تونس يمارسون فنّهم في إطار قانوني وسلمي، إلا أن الانزلاقات الفردية لبعض الأسماء قد تسيء إلى المشهد بأكمله، إذا لم تتم مواجهتها بالقانون.
من جهتهم، دعا عدد من المعلقين على الحادثة إلى ضرورة فرض رقابة صارمة على المضامين التي تروج للعنف في الأعمال الفنية، وتفعيل دور الدولة في تأطير هذا الفضاء الشبابي المتنامي، الذي يحتاج إلى بدائل ثقافية جاذبة أكثر من حاجته إلى المقاربات الزجرية وحدها.

