أصدر البنك المركزي التونسي مؤخرًا تقريره السنوي للرقابة المصرفية لسنة 2024، متضمنًا تحليلًا شاملاً لأداء جميع البنوك المقيمة والأوفشور، بالإضافة إلى شركات التأجير المالي والفوترة والبنوك الاستثمارية ومؤسسات الدفع. التقرير يسلط الضوء على مؤشرات مالية حاسمة تعكس واقع القطاع المصرفي التونسي ومخاطره.
وأشار التقرير إلى أن البنوك الـ22 المقيمة، التي تمثل أكثر من 93% من أصول القطاع و95% من القروض و97% من الودائع، حققت زيادة بنسبة 5.5% في منتجها الصافي (PNB). لكن هذه الزيادة لم تنبع من النشاط الأساسي للبنوك، أي الإقراض، حيث سجل هامش الفوائد تراجعًا بنسبة 1.8%، بينما جاء ارتفاع الأرباح من عوائد الاستثمارات، لا سيما سندات الخزينة، وتحسن العمولات الصافية بنسبة 4.5%. ويظهر هذا الاعتماد على الإيرادات غير المستدامة هشاشة الربحية على المدى الطويل، بحسب خبراء الاقتصاد المصرفي.
على صعيد القروض، بقي نمو الإقراض للقطاع الخاص محدودًا عند 1.5% فقط، في حين شهد القطاع العام ارتفاعًا بنسبة 9.5%. القرض السكني لم يحرز تقدمًا ملحوظًا أيضًا، حيث سجل زيادة طفيفة بلغت 0.8%. ويعكس هذا التباين تركيز البنوك على القروض الأقل مخاطرة للقطاع العام، ما يحد من دورها في دعم الاقتصاد الخاص وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويزيد من مخاطر تركيز الائتمان.
وتشير المؤشرات إلى تدهور مستمر في جودة الأصول، إذ ارتفعت القروض المصنفة لأكثر من 19 مليار دينار، وارتفعت نسبة القروض المصنفة للشركات الخاصة من 17.1% في 2022 إلى نحو 20% في 2024. كما بلغ حجم القروض شبه المعدومة 12% من إجمالي الالتزامات، أي ما يعادل 2.3 مليار دينار مقارنة مع أرباح البنوك البالغة 1.6 مليار دينار، مما يعكس مخاطر ائتمانية متصاعدة قد تهدد سيولة البنوك في حال حدوث صدمات مالية.
وأضاف التقرير أن نسبة التغطية بالاحتياطات انخفضت من 55% إلى 50.5%، والنسب إلى منتج البنوك الصافي تراجعت من 23.3% إلى 18%. هذه الأرقام تشير إلى أن البنوك قد وضعت احتياطات أقل مقارنة بالحجم الفعلي للمخاطر، ما يزيد احتمال تعرضها لصدمات مالية مفاجئة.
رغم هذه المخاطر، ساهمت إجراءات البنك المركزي في تحسين نسب الملاءة والسيولة، حيث سجلت 15 بنكًا من أصل 22 نسبة ملاءة تجاوزت 12%، وفقًا للمعايير المعتمدة. إلا أن هذا التحسن يعتبر مؤقتًا ويعكس استجابة تنظيمية أكثر من كونه حلًا جذريًا لمشاكل جودة الأصول.
ويبرز التقرير أيضًا اعتماد القطاع المصرفي على السندات الحكومية، مما يجعل أرباحه مرتبطة بشكل مباشر بصحة المالية العامة للدولة. وأي تراجع في المالية العمومية سيكون له أثر مباشر على أرباح واستقرار البنوك، وهو عامل خطر إضافي على استدامة القطاع.
بالرغم من تسجيل أرباح شكلية في 2024، يظل القطاع المصرفي التونسي هشًا ومواجهًا بتحديات كبيرة على مستوى جودة الأصول والاعتماد على مصادر دخل غير أساسية. التحسن الجزئي في الملاءة لا يغطي المخاطر الائتمانية، ويستدعي استمرار المراقبة المالية وتشديد الاحتياطات لضمان استقرار القطاع في السنوات المقبلة.

