نشر البنك المركزي التونسي عبر الرائد الرسمي اليوم الوثيقة الرسمية لميزانه المالي إلى حدود 10 نوفمبر 2025، وهو ما يتيح قراءة دقيقة لأهم المؤشرات الاقتصادية التي تهم المواطن العادي، من مستوى الاحتياطيات الأجنبية إلى حجم السيولة النقدية في السوق.
تشير الأرقام إلى أن إجمالي أصول البنك المركزي وصل إلى 55.42 مليار دينار، وهي موزعة بين الاحتياطي بالعملة الأجنبية، النقد المتداول، وأموال البنك الذاتية. الاحتياطي الأجنبي وحده يمثل حوالي 45% من الأصول، أي نحو 25.16 مليار دينار، ما يمنح البلاد دعماً مهما لاستقرار العملة، لكنه لا يكفي وحده لضمان حماية الاقتصاد من أي صدمات خارجية.
من جهة أخرى، النقد المتداول في السوق وصل إلى 25.59 مليار دينار، أي ما يقارب نصف الميزانية. هذا الرقم الكبير يعكس وفرة السيولة في يد المواطنين والبنوك، لكنه يثير القلق إذا لم يرافقه إنتاج كافٍ للسلع والخدمات، إذ يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أو تضخم نقدي.
أما الأموال الذاتية للبنك (رأس المال والاحتياطيات) فهي محدودة نسبياً، نحو 3.3% من الميزانية، ما يقلل قدرة البنك على مواجهة أي خسائر مفاجئة أو تقلبات في قيمة الاحتياطي.
ويبرز من الميزانية أيضاً حجم التسهيلات الممنوحة للدولة، الذي بلغ 11.65 مليار دينار، أي ما يقارب 21% من إجمالي الأصول. هذا يشير إلى اعتماد الحكومة على تمويل نقدي من البنك المركزي، وهو ما يرفع احتمال ضغط على الأسعار ويحد من قدرة البنك على إدارة السيولة بكفاءة.
ما الذي يجب أن يعرفه المواطن؟
- هناك وفرة نقدية عالية، لكنها غير مغطاة بالكامل بالاحتياطي الأجنبي، ما يجعل الاقتصاد هشاً أمام أي صدمة خارجية، مثل انخفاض تحويلات المغتربين أو صدمات أسعار الطاقة.
- استمرار تمويل الدولة عبر البنك المركزي يمكن أن يرفع الأسعار ويزيد خطر التضخم.
- البنك المركزي لديه قدرة محدودة للتدخل عند حدوث صدمات مفاجئة، بسبب صغر حجم الأموال الذاتية والاحتياطي الجزئي فقط من النقد المتداول.
التوصيات الاقتصادية الموجّهة لصانعي القرار، والتي تعود بالنفع على المواطنين:
- ضبط السيولة: تقييد تمويل الدولة عبر البنك المركزي، واستبداله بأدوات سوقية أطول أمداً لتقليل التضخم.
- حماية الاحتياطي الأجنبي: تعزيز الصادرات وجذب تحويلات المغتربين، وفتح خطوط سيولة احتياطية مع شركاء دوليين عند الحاجة.
- دعم الاقتصاد الحقيقي: توجيه الإنفاق نحو الإنتاج والصادرات، لتوفير سلع وخدمات مقابل السيولة الكبيرة في السوق.
- تعزيز الشفافية: نشر مؤشرات شهرية واضحة عن الاحتياطيات والنقد المتداول والتزامات الدولة، لرفع ثقة المواطنين والأسواق.
الخلاصة:
ميزان البنك المركزي يعكس حالة من الوفرة النقدية مقترنة بمرونة محدودة لمواجهة الصدمات الخارجية. هذا مزيج يدعو إلى الحذر، ويتطلب سياسات مالية ونقدية حكيمة لضمان استقرار الأسعار والحفاظ على قيمة العملة، بما ينعكس إيجاباً على معيشة المواطن العادي.



