في ظل التطورات الاقتصادية الأخيرة، يثير القطاع المصرفي في تونس جدلًا واسعًا بسبب الفساد المالي وفوارق الأجور الكبيرة بين المدراء التنفيذيين والموظفين العاديين، وسط تسجيل أرباح قياسية لبعض البنوك.
أكد ياسين الطريقي، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس والكاتب العام للفرع الجامعي للبنوك والتأمين، في تصريح لموزاييك، أن الفساد في عدد من البنوك يمثل أحد أخطر أشكال الفساد المالي، لأنه يهدد الاستقرار الاقتصادي وثقة المودعين في النظام المالي الوطني. وأضاف الطريقي، خلال اجتماع للإطارات النقابية عقد يوم أمس الثلاثاء 23 سبتمبر 2025، أن عدة شبهات تحوم حول بعض أعضاء مجالس إدارة البنوك، وهو ما قد يؤثر على حماية أموال الحرفاء وضمان إدارة شفافة للمؤسسات المالية.
وطالب الطريقي البنك المركزي ووزارتي المالية والعدل بفرض تطبيق القانون بحزم وحماية حقوق المودعين. كما اعتبر أن الحط في التصنيف السيادي لبعض البنوك يعد دليلًا على هشاشة الإدارة والرقابة، داعيًا إلى تفعيل الهيئات الرقابية للقيام بواجباتها حفاظًا على ديمومة المؤسسات.
أرباح قياسية مقابل أجور غير عادلة
وعلى الرغم من هذه المخاوف، شهدت البنوك التونسية ارتفاعًا كبيرًا في أرباحها الصافية خلال 2024 بنسبة لا تقل عن 11,9٪. ومع ذلك، لم تنعكس هذه المكاسب على رواتب العاملين في القطاع المصرفي، الذين يعانون من ارتفاع الأسعار وتكاليف الدراسة والأعباء المعيشية، مع تراجع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية.
تشير البيانات إلى فوارق هائلة بين أجور المدراء التنفيذيين والموظفين العاديين. ففي حين يبلغ متوسط راتب موظف في القطاع المصرفي التونسي حوالي 1,093 إلى 4,930 دينار تونسي شهريًا (Paylab.com)، فإن المدير التنفيذي (CEO) في تونس يتقاضى متوسط راتب سنوي يصل إلى حوالي 133,500 دينار تونسي، أي نحو 8,198 دينار شهريًا (Talentup.io).
وبحسب التقارير، فإن بعض المدراء التنفيذيين في البنوك الأجنبية العاملة في تونس يتقاضون رواتب أعلى بكثير، حيث يصل راتب المدير التنفيذي لبنك “Banque Fédérative du Crédit Mutuel” الفرنسي إلى 1,740,000 دينار تونسي سنويًا .
أما بالنسبة للمدراء العامين في البنوك العمومية، وحسب منصة Worldsalaries.com فتتفاوت رواتبهم بشكل كبير، وفقًا للبيانات المنشورة، حيث يتراوح راتب المدير العام السنوي بين 109,340 دينار تونسي كمتوسط، مع تفاوت بين 59,240 و172,200 دينار تونسي حسب الخبرة والمستوى الوظيفي .
يشير الطريقي إلى أن الفساد المالي وغياب الشفافية في إدارة بعض البنوك يمثل تهديدًا مباشرًا على الاستقرار الاقتصادي، وهو ما قد ينعكس على ثقة المودعين والمستثمرين في النظام المالي التونسي. وأضاف أن ارتفاع أرباح البنوك لم يترجم بعدالة في توزيع الأجور أو تحسين ظروف العمل، مما يفاقم من التفاوت الاجتماعي ويؤدي إلى شعور بعدم العدالة لدى الموظفين العاديين.
وشدد الطريقي على أهمية تحديد سقف أقصى للأجور في تونس للحد من الفوارق الكبيرة ومنع ما وصفه بـ”الأجر المشط”، ودعا إلى حوار اجتماعي مسؤول وشامل يكشف الحقائق ويؤسس لتطبيق الحوكمة الرشيدة في القطاع المالي.
دعوات للمساءلة والشفافية
يؤكد مراقبون اقتصاديون أن شفافية رواتب المدراء التنفيذيين والرقابة على الأداء المالي للبنوك ضرورة حيوية لاستعادة الثقة في القطاع المصرفي. وفي هذا السياق، تعتبر تقارير البنك المركزي ووزارة المالية أداة مهمة لتعزيز المساءلة والحوكمة، خاصة أن القطاع المصرفي يلعب دورًا أساسيًا في استقرار الاقتصاد الوطني وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.
كما يشير الخبراء إلى أن تباين الأجور بين البنوك المحلية والأجنبية، وكذلك بين المناصب العليا والموظفين العاديين، يعكس خللاً هيكليًا في السياسات المالية والمكافآت، مما يتطلب إصلاحات عاجلة لضمان العدالة والاستقرار المالي.
في ظل هذه الأرقام والحقائق، تبدو الحاجة ماسة إلى تفعيل الرقابة والمساءلة وتعزيز الحوكمة الرشيدة في القطاع المصرفي التونسي. كما أن معالجة الفوارق الكبيرة في الأجور وضمان توزيع عادل لأرباح البنوك يمثل خطوة أساسية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني وثقة المودعين والمستثمرين.

