حسب ما جاء في تقرير إيكونوميست حول تفضيل الذكور وإجهاض الأجنة الأنثوية، يعكس التقرير تحولًا مهمًا في ممارسات الانتقاء الجنسي على مر العقود الماضية، مع تسليط الضوء على الآثار الديموغرافية والاجتماعية المترتبة على هذه الظاهرة.
1. ظهور الانتقاء الجنسي
في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حدث تحول كبير في كيفية تحديد جنس الجنين، وذلك بفضل انتشار أجهزة الموجات فوق الصوتية الرخيصة. هذا التقدم التكنولوجي جعل من السهل على الآباء اكتشاف جنس الجنين في مراحل مبكرة من الحمل. في العديد من البلدان، وبخاصة في الصين والهند، أصبحت هذه التقنية تُستخدم بشكل متزايد للقيام بإجهاض الأجنة الإناث، خاصة في سياق مجتمعي وثقافي يفضّل الذكور، ما أدى إلى زيادة في عدد الإجهاضات لأسباب تتعلق بالجنس.
2. التأثيرات الديموغرافية
وفقًا للتقرير، في عام 2000، كان هناك 1.6 مليون فتاة مفقودة عالميًا مقارنة بالنسب الطبيعية للجنس عند الولادة. هذا يعني أن هذه الفتيات تم إجهاضهن بسبب جنسهن، وليس بسبب مشاكل صحية. وبالاستناد إلى ذلك، يمكن استنتاج أن تفضيل الذكور أثر بشكل كبير على التوازن الطبيعي بين الجنسين في بعض الدول.
3. السياسات والضغوط الاجتماعية
في الصين، كان لتطبيق سياسة الطفل الواحد (التي كانت سارية حتى عام 2015) دور كبير في تعزيز التفضيل للذكور. كان الآباء في هذه الحالة يميلون إلى التخلص من الأجنة الإناث لأنه لا يُسمح لهم بإنجاب أكثر من طفل واحد. وفي بلدان أخرى مثل الهند وبعض مناطق شرق وجنوب شرق آسيا، فإن التقاليد الثقافية التي تعتبر الذكور أكثر قيمة من الإناث كانت تؤدي إلى نفس النتيجة.
4. التحول في الاتجاهات
ومع مرور الوقت، بدأت هذه الممارسات تشهد تراجعًا، ربما بسبب تطور الوعي الثقافي والاجتماعي بحقوق المرأة، بالإضافة إلى تدخلات حكومية أكثر صرامة. في الصين، على سبيل المثال، تم إلغاء سياسة الطفل الواحد، وقد تشهد هذه السياسات تغييرًا في الديناميكيات الاجتماعية.
إضافة إلى ذلك، في بعض البلدان، بدأت المجتمعات تتبنى القوانين التي تمنع التمييز في تحديد جنس الجنين، مثل فرض قيود على استخدام الموجات فوق الصوتية لأغراض الانتقاء الجنسي، ما ساهم في تقليص هذه الظاهرة.
5. الآثار الاجتماعية لموازنة الجنس
حتى مع تراجع الظاهرة، تظل الآثار الديموغرافية الكبيرة حاضرة. ففي بعض الدول، مثل الهند والصين، لا تزال نسب الذكور تتفوق على الإناث بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية مثل:
- زيادة في نسبة العزوبية بين الذكور: عندما يكون هناك عدد كبير من الذكور مقارنة بالإناث، يصبح من الصعب على الكثيرين إيجاد شركاء حياة، ما قد يؤدي إلى زيادة في معدلات العزوبية والعنف الاجتماعي.
- الضغط على النساء: مع وجود عدد أقل من النساء، قد تتعرض النساء في هذه البلدان لضغوط اجتماعية واقتصادية أكبر.
- تأثيرات على الأسرة والمجتمع: انخفاض عدد النساء يمكن أن يؤدي إلى نقص في الأيدي العاملة النسائية، مما يؤثر على الاقتصاد والمجتمع ككل.
6. الاتجاهات المستقبلية
التقرير يعكس تطورًا إيجابيًا في السنوات الأخيرة، إذ تشير بعض البيانات إلى انخفاض تدريجي في ممارسات الإجهاض الانتقائي للإناث، وذلك بسبب:
- زيادة وعي المجتمعات بحقوق المرأة.
- تحسن الظروف الاقتصادية والتعليمية في بعض البلدان.
- إجراءات حكومية صارمة لمنع التمييز الجنسي.
في الختام، يرى التقرير أن هذا التراجع في الممارسات قد يكون بداية لمرحلة جديدة، حيث يمكن أن يساهم في تحقيق مزيد من التوازن بين الجنسين على المدى الطويل، ولكن هذا التحول قد يتطلب وقتًا طويلًا قبل أن يتم ملاحظته بشكل واضح في العديد من المجتمعات.

