الرئيسيةآخر الأخباركيف تحوّلت محاولة إعتداء على سائحة بريطانية إلى حملة تشويه ممنهجة ضد...

كيف تحوّلت محاولة إعتداء على سائحة بريطانية إلى حملة تشويه ممنهجة ضد تونس؟

أشعلت حادثة محاولة اعتداء جنسي مزعومة على سائحة بريطانية في مدينة سوسة التونسية عاصفة من ردود الفعل السلبية على المنصات الإعلامية البريطانية، ولا سيما في قسم التعليقات على صحيفة Daily Mail واسعة الانتشار. ورغم أن الحادثة، في حال ثبتت، تظل سلوكًا فرديًا معزولًا قد يقع في أي بلد في العالم، فقد استُخدمت بشكل مكثّف لبناء سردية تكرّس صورة نمطية قاتمة عن تونس، ليس فقط كوجهة سياحية، بل كبيئة “معادية للمرأة الغربية” و”غير آمنة ثقافيًا وأخلاقيًا”.

الحادثة الأصلية، كما نشرتها الصحيفة، تعود لسائحة بريطانية ثلاثينية قالت إنها تعرضت لسلوك جنسي غير لائق من قبل مرافقها في رحلة “باراسيلينغ” (الطيران الشراعي) بسوسة. الرواية، التي تضمنّت عبارات عاطفية مثل: “شعرت بالإهانة والاشمئزاز والخوف”, نُشرت دون تأكيد رسمي أو توضيح من الطرف التونسي المعني (الأمن أو وزارة السياحة).

لكن اللافت لم يكن مضمون الخبر، بل الفيضان غير المسبوق من التعليقات التي حولت حادثًا محدودًا إلى موجة شيطنة شاملة ضد تونس.

بمطالعة عشرات التعليقات المنشورة، يمكن رصد هذه التجاهات

عبارات مثل:“لا تذهبوا إلى تونس أو تركيا أو مصر… لا شيء هناك سوى الخطر”
“دول من العالم الثالث ذات عقلية متخلفة تجاه المرأة”
تعكس رفضًا عامًا للمنطقة بأكملها، مع اختزال مجتمعات بأسرها في سلوك فردي شاذ.

عدد كبير من المعلقين تساءل لماذا ذهبت السائحة إلى تونس أصلًا، متهمين إياها بـ”السذاجة” أو حتى “التهور”، كما لو أن الضحية مسؤولة عن ما وقع لها.“ما الذي كانت تتوقعه؟ عطلة ثقافية؟”
“هذه نتيجة السياحة الرخيصة.”

علق مستخدم بريطاني يدعى TonyTheBat قائلاً:“ذهبت إلى تونس ثلاث مرات، آخرها رُشقنا بالحجارة من تلاميذ… لم أعد بعدها أبدا.”
وفي تعليق آخر:
“سرقوا ملابس ابنتي الداخلية من غرفة الفندق.”
هذه الاستدعاءات تُوظف لتأكيد الصورة السلبية، مهما كانت قديمة أو غير موثقة.

بعض التعليقات خلطت بين المخاوف الأمنية والدونية الثقافية، في ما يشبه تصنيفًا عنصريًا ضمنيًا، بل أن أحدهم كتب:“العطلة في بلد مسلم؟ هل أنت جادة؟”

لم تُسجّل أي مشاركة من جهة رسمية أو حتى تعليقات مضادة من قراء عرب تدافع أو توازن الخطاب. وهذا الصمت ساعد في ترسيخ الانطباع بأن ما يُقال لا يجد من يرد عليه.

في عالم مترابط رقميًا، تتحول الأخبار الفردية إلى موجات عاطفية قد تترك أثرًا طويل الأمد على الصورة العامة لبلد ما. ولا يقتصر ذلك على تونس فقط، بل سبق أن واجهت تركيا، مصر، المغرب، وحتى فرنسا أو المكسيك مثل هذه “الموجات”، لكن الفارق يكمن في سرعة تدخل السلطات لتصحيح الرواية أو تفنيدها، أو حتى الدفاع عنها صراحة.

في الحالة التونسية، يبدو أن هناك تأخرًا مزمنًا في التعامل مع “الرواية الثانية” – أي سردية الإعلام الشعبي أو الجماهيري في الدول الأجنبية، لا سيما البريطانية. فرغم أهمية السياحة البريطانية في سوسة، ورغم أن وسائل الإعلام التي نشرت التقرير ليست من النخبة الفكرية بل من الأكثر تأثيرًا شعبيًا، لم يصدر أي بلاغ يوضح ملابسات الحادثة، أو يدعو إلى التروي، أو حتى يطمئن الزوار.

من المهم التمييز بين التعليقات العفوية وتلك التي تتغذى من سياق سياسي أو أيديولوجي. فالهجمات اللفظية على تونس لم تأت فقط بسبب حادثة، بل لأنها تقع في سياق دولي مشحون بمواقف ضد العالم الإسلامي، والهجرة، والسياحة في دول الجنوب. ويكفي أن تذكر كلمة “تونس” أو “مغرب” أو “مصر” في خبر سلبي، حتى تُستدعى معها كل الصور النمطية، من التحرش إلى الإرهاب.

مثل هذه الحوادث، إن لم تُواجه سريعًا ببيان، وتحقيق علني، وردّ سردي متوازن، فإنها لا تبقى محصورة في أذهان قراء صحيفة واحدة، بل تنتقل إلى محركات البحث، ومجموعات السفر، ومنصات السياحة، وتتحول إلى قرار بالمقاطعة، ثم إلى “حقيقة رقمية” لا دليل عليها سوى تعليق غاضب من أحدهم على موقع إلكتروني.

المطلوب ليس فقط تحقيقًا قضائيًا محايدًا، بل مجهودًا تواصليًا استباقيًا، يشارك فيه الإعلام والمجتمع المدني وشركاء السياحة، لإنقاذ صورة وجهة لا ذنب لها في سلوك فرد.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!