انطلقت اليوم 25 نوفمبر 2025 والى غاية يوم 28 نوفمبر 2025 جلسة استعراض سياسة التجارة لتونس ضمن آليّة منظمة التجارة العالمية،
الاستعراض يعتمد على تقرير سكرتارية المنظمة وتقرير الحكومة التونسية.
هذا النوع من الاستعراضات يُعدّ فرصة لعرض ما أنجزته تونس من إصلاحات تجارية وما تواجه من تحديات، كما قطعة مهمة في تغطية الصحفي الاقتصادي التي تهمك.
قدمت الحكومة التونسية تقريرها الرسمي لمنظمة التجارة العالمية (WTO) في إطار آلية مراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء، والتي تُعرف باسم Trade Policy Review Mechanism. ويأتي هذا التقرير كخلاصة رسمية للسياسات الاقتصادية والتجارية والإصلاحات التي اعتمدتها تونس، كما يسلّط الضوء على التحديات التي لا تزال تواجهها البلاد.
إصلاحات وإيجابيات ملموسة
يبرز التقرير أن الاقتصاد التونسي، على الرغم من تداعيات جائحة كورونا والاضطرابات العالمية، أظهر مرونة ملحوظة، حيث سجل نموًّا بلغ 3.2% في الربع الثاني من 2025. ويستند الاقتصاد التونسي إلى تنوع ملحوظ بين الزراعة والصناعة والخدمات، مع اعتبار التجارة الخارجية محركًا أساسيًا للسياسة الاقتصادية الوطنية.
ويؤكد التقرير أن السياسة التجارية التونسية تقوم على الانفتاح، اقتصاد قائم على القواعد، ودعم التجارة متعددة الأطراف، مع تنفيذ إصلاحات قانونية مؤثرة تشمل:
- تعديل قانون الاستثمار (2016‑71) وتأسيس هيئة الاستثمار التونسية.
- تبسيط إجراءات التصاريح وتقليص عدد التراخيص الاقتصادية لتعزيز مناخ الأعمال.
- رقمنة الخدمات العامة ضمن استراتيجية «رقمية تونس 2023‑2025»، بما في ذلك نافذة تجارية وحيدة إلكترونية وهوية رقمية للمؤسسات.
- إصلاح الجباية والضرائب، مع تخفيض الامتيازات غير الفعالة وتشجيع الاقتصاد الأخضر، ومنح إعفاءات ضريبية للبحث والتطوير.
كما ركز التقرير على القطاعات الصناعية الاستراتيجية، مثل مركّبات السيارات والطيران، ضمن خطة «الصناعة والابتكار حتى 2035»، وكذلك على تحول قطاع الطاقة، مع هدف الوصول إلى 35% طاقة متجددة بحلول 2030 و50% بحلول 2035. وفي مجال الزراعة، شدّد التقرير على تعزيز الإنتاجية ومعالجة التحديات البيئية وضمان الأمن الغذائي.
كما تناول التقرير تعزيز التكامل الإقليمي والدولي، تسهيل الإجراءات الجمركية، تشجيع الصادرات، وتوسيع شبكات الاتفاقيات، إلى جانب تحديث التشريعات المتعلقة بالحقوق الفكرية والانضمام إلى معاهدات دولية لتعزيز الابتكار.
تحديات هيكلية لا تزال قائمة
رغم الإصلاحات، أقر التقرير بعدد من التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد التونسي، منها:
- انخفاض نسبة الاستثمار إلى 15.7% من الناتج المحلي عام 2024، مع توقع ارتفاعها إلى 16.2% عام 2025.
- استمرار مستوى بطالة مرتفع، خاصة بين خريجي الجامعات والمناطق المحرومة.
- القطاع الصناعي يشكّل نحو 14% من الناتج و20% من التشغيل، ما يعكس تحديات رفع القيمة المضافة.
- تراجع إنتاج الفوسفات من 8 ملايين طن عام 2010 إلى 3.7 ملايين طن عام 2021.
- الاعتماد الكبير على النفط والغاز في قطاع الطاقة، والحاجة إلى تسريع الانتقال نحو الطاقة المتجددة.
- بعض القطاعات الزراعية مثل الحبوب والزيوت تعتمد على الاستيراد، مع تأثيرات من التغيرات المناخية على الإنتاجية.
تحليل وتوقعات
يشير التقرير إلى أن الحكومة التونسية واعية تمامًا لمواطن القوة والضعف، وتراهن على إصلاحات متعددة لتعزيز النمو والتنافسية. وتعتبر الإصلاحات في الإدارة الرقمية، تخفيف البيروقراطية، دعم ريادة الأعمال والابتكار، بوابة مهمة للنهوض بالاقتصاد.
ومع ذلك، يظل الواقع التنفيذي للإصلاحات هو المعيار الأهم لقياس نجاح السياسات، خصوصًا في رفع الاستثمار، زيادة حصة الصناعة، توسيع قاعدة التصدير، وتحسين جودة الخدمات العامة. كما أن البنية التحتية، التعليم، دعم المناطق الداخلية، والحوافز لجذب الاستثمار الخارجي، تظل عناصر حاسمة لإنجاح الإصلاحات التشريعية.
خلاصة
يشكّل تقرير الحكومة التونسية لمراجعة السياسات التجارية أمام منظمة التجارة العالمية مادة ثرية لتحليل السياسة الاقتصادية للبلاد، ومؤشرًا على مدى توافق الأهداف المعلنة مع الواقع الاقتصادي، وكيفية تأثير هذه الإصلاحات على المواطن التونسي والقدرة التنافسية للبلاد على الصعيد الدولي.

