كشف الخبير البيئي حمدي حشاد أنه منذ انطلاق قمة المناخ COP30 في مدينة بليم، وسط غابات الأمازون، تشكّلت صورة أولية لقمة مليئة بالإعلانات والمبادرات، لكن القرارات الجوهرية ما زالت تتبلور في الكواليس.
وقد حاولت البرازيل تجميع كافة الملفات في ما سمّته “حزمة بليم السياسية”، التي تربط بين التخفيض من الانبعاثات، والتكيّف، والتمويل، وحماية الغابات، والخسائر والأضرار.
المسودّات تغيّرت مرارًا، بينما ظلّ الجدل مُركّزًا أساسًا على محورين: التمويل ومصير الوقود الأحفوري.
1. معركة الوقود الأحفوري: صراع نصوص ومعاني
الملف الأكثر سخونة في بليم هو ملف الوقود الأحفوري. أكثر من 80 دولة من الشمال والجنوب تدفع نحو نصّ واضح يُقرّ بالخروج التدريجي من الفحم والبترول والغاز، مع تسريع نشر الطاقات المتجددة وتحسين النجاعة الطاقية.
في المقابل، ضغطت الدول المنتجة للنفط وحلفاؤها لمنع تضمين أي إشارة صريحة إلى هذا الخروج. وقد أثار حذف آخر نسخة من النص البرازيلي لأي كلمة تُحيل إلى الوقود الأحفوري غضب المنظمات البيئية والدول الهشّة، ورفع منسوب التوتر قبل الساعات الأخيرة من التفاوض.
2. التكيّف: من الشعارات إلى المؤشرات
حقق ملف التكيّف تقدّمًا تقنيًا مهمًا بعد غربلة حوالي 9500 مؤشر واقتراح قائمة نهائية من نحو 100 مؤشر لقياس التقدم في مجالات مثل المياه، الفلاحة، الصحة، البنية التحتية وسبل العيش.
لكن يبقى السؤال الكبير:
كيف نربط هذه المؤشرات بتمويل جديد وفعلي للدول الهشّة؟
الخشية أن تتحوّل إلى مجرد جداول Excel بلا أثر ميداني.
3. الخسائر والأضرار: خطوة صغيرة… وفجوة عملاقة
أعلن صندوق الخسائر والأضرار – الذي تأسس في COP27 وتم تفعيله إداريًا في COP28 – عن أول نداء لتمويل مشاريع بقيمة 250 مليون دولار للفترة 2025–2026، مع سقف 20 مليونًا للمشروع الواحد.
ورغم رمزية هذه الخطوة، فإنها تبقى بعيدة جدًا عن الاحتياجات السنوية المقدّرة بـ 700 مليار دولار. التعهّدات الجديدة المسجلة في بليم لم تتجاوز عشرات الملايين.
4. التمويل المناخي: الفجوة الأعظم
دار النقاش حول رقم جديد تُطرحه تقارير دولية:
1.3 تريليون دولار سنويًا كتمويل خارجي مخصص للدول النامية بحلول 2035.
لكن في المقابل، تقارير أممية تؤكد أنّ فجوة تمويل التكيّف وحده تُقدّر بـ 187 – 359 مليار دولار سنويًا، ما يجعل الطموح بعيدًا جدًا عن الواقع.
5. الغابات والأمازون: وعود كثيرة وأموال قليلة
بحكم احتضان الأمازون للقمة، احتلّت الغابات صدارة المشهد.
اقترحت البرازيل إنشاء صندوق دائم لحماية الغابات المدارية بقيمة 25 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الوعود الفعلية 5.5 مليارات فقط.
كما أعلنت عدة دول نيتها الاعتراف بحقوق ملكية الأراضي للشعوب الأصلية والمجتمعات ذات الأصول الإفريقية على ملايين الهكتارات قبل 2030.
6. مبادرات موازية: النساء، المحيطات، والمعلومات المضلِّلة
عرفت القمة مبادرات داعمة لمسائل نوعية، منها:
- بروتوكول لتعزيز دور النساء في إدارة الأزمات المناخية.
- تعهدات أوروبية متواضعة بزيادة المساهمات في صندوق التكيّف.
- دفعٌ عالمي نحو تحالف ضد التضليل المناخي مع انتشار الإشاعات على الشبكات.
7. الشارع الأمازوني حاضر بقوة
شهدت مدينة بليم مسيرات ضخمة شارك فيها سكان الأمازون وشعوب أصلية وشباب ومنظمات اجتماعية نادوا بالعدالة المناخية ورفض المشاريع الاستخراجية. وقدمت “قمة الشعوب” رؤية بديلة وجذرية لمسار العدالة المناخية.
8. حادثة الحريق: توتر في التوقيت الأسوأ
اندلع حريق في جزء من الفضاء الذي يحتضن المفاوضات – وهو مبنى مقام على أرض مطار سابق – ما أدى لإخلاء آلاف المشاركين وتعطّل الجلسات لساعات.
لم تُسجّل إصابات، لكن الحادث غذّى موجة جديدة من الإشاعات.
9. كواليس مشحونة وشفافية محل جدل
الأيام الأخيرة شهدت اجتماعات مغلقة طويلة، وانتقادات واسعة لغياب الشفافية في نصوص التكيّف والتمويل وصندوق الخسائر والأضرار.
وتلخّص الجدل في ثلاثة أسئلة كبرى:
- هل سيذكر النص النهائي خروجًا واضحًا من الوقود الأحفوري؟
- هل ستقدّم الدول الغنية تمويلًا جديدًا فعليًا خارج القروض؟
- هل ستكون حقوق الشعوب الأصلية جزءًا جوهريًا من القرارات؟
10. الخلاصة: معركة التنفيذ وليست معركة النصوص
قال الأمين التنفيذي لاتفاقية المناخ سيمون ستييل إنّ COP30 قدّم “لوحة نتائج مختلطة”:
استثمارات ضخمة بدأت تتجه للطاقات النظيفة، لكن الهوة بين الخطاب والالتزامات الفعلية ما تزال كبيرة.
الرسالة الأهم من بليم:
معركة المناخ لم تعد معركة نصوص… بل معركة تنفيذ على الأرض.
وتونس – مثل دول المتوسط – مطالبة بمتابعة مخرجات القمة وتحويلها إلى سياسات عملية في قطاعات الماء والفلاحة والطاقة والتخطيط الترابي، قبل أن تصبح الكلفة أكبر من قدرتها على الاحتمال.

