الرئيسيةآخر الأخبارتحقيق ..كيف تتغذّى أوروبا على مآسي قابس

تحقيق ..كيف تتغذّى أوروبا على مآسي قابس

نشرت منصة multinationales.org تحقيقًا معمقًا حول العلاقة بين استعمال الفسفاط في الفلاحة الأوروبية وتداعيات استخراجه وتحويله في تونس، معتبرة أن ما يُعرف بـ”ذهب تونس الأبيض” أصبح أحد أبرز مصادر التلوث في الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط.

وأشار التقرير إلى أن الفسفاط المستخدم في الزراعة الأوروبية — والموجه أساسًا لتغذية التربة بالفسفور والآزوت والكالسيوم والألمنيوم — يأتي في جزء كبير منه من تونس، التي كانت إلى حدود سنة 2010 تحتل المرتبة الخامسة عالميًا في إنتاج الفسفاط وتمثل صادراتها 10% من إجمالي صادرات البلاد.

وقد شكلت خلال سنوات طويلة أحد المزودين الرئيسيين لأوروبا إلى جانب المغرب و روسيا.

— تحقيق ..كيف تتغذّى أوروبا على مآسي قابس

لكن خلف هذه الأرقام، تكشف المنصة الفرنسية عن جانب مظلم للصناعة التونسية، إذ تسببت أنشطة المجمّع الكيميائي التونسي (GCT)، الذي ينتج سنويًا نحو أربعة ملايين طن من الفسفاط المحوّل إلى أسمدة ومنظفات، في تدهور بيئي حاد، خاصة في مدينة قابس الواقعة على بعد 450 كيلومترًا جنوب العاصمة.

جفاف الواحة وتلوث البحر

يصف التحقيق كيف تحوّلت واحة قابس، التي كانت تُعتبر “جنة خضراء” من النخيل وأشجار الفاكهة، إلى منطقة شبه جافة بعد أن جفّت منابع المياه الطبيعية نتيجة الاستهلاك المفرط للمياه من طرف المصنع الكيميائي، حيث يُستخدم ما بين 7 و8 أمتار مكعبة من المياه لإنتاج طن واحد من الحامض الفسفوري — أي ما يعادل أكثر من 50 حوض استحمام لكل طن.

ويقول سكان الواحة إن الأراضي الزراعية لم تعد تُروى سوى عبر الآبار، وإن المياه المالحة بدأت تزحف على التربة، ما أدى إلى اختفاء العديد من الأنواع النباتية وانحسار مساحة الواحة من 750 هكتارًا سنة 1970 إلى نحو 170 هكتارًا فقط اليوم.

— تحقيق ..كيف تتغذّى أوروبا على مآسي قابس

أما على الساحل، فقد أصبح خليج قابس الذي كان يومًا “حاضنة الأسماك في المتوسط”، منطقة شبه ميّتة بيئيًا. إذ يؤكد الصيادون المحليون أن 90% من الثروة السمكية اختفت بسبب إلقاء نحو 13 ألف طن يوميًا من نفايات “الفوسفوجيبس” في البحر، ما أدى إلى خنق قاع البحر وحرمانه من الأوكسجين، وبالتالي إلى تراجع الصيد وهجرة العديد من البحارة نحو مدن أخرى مثل صفاقس.

— تحقيق ..كيف تتغذّى أوروبا على مآسي قابس

أمراض وسرطانات وغياب دراسات

كما لفت التحقيق إلى أن التلوث الصناعي في قابس لا يقتصر على المياه والتربة، بل يمتد إلى الهواء أيضًا. فالدخان الكثيف والروائح الكبريتية المنبعثة من مداخن المصنع جعلت من المدينة منطقة غير صالحة للسياحة، وفاقمت من معاناة السكان مع أمراض مزمنة.

ونقل التقرير شهادة فؤاد كرايم، رئيس الجمعية التونسية للبيئة والطبيعة، الذي أكد أن المنطقة تعرف نسبة مرتفعة من الإصابات بالسرطان وأمراض الرئة والحساسية، داعيًا إلى إجراء دراسة وبائية شاملة تشمل 3000 عائلة لتحديد الارتباط بين التلوث الصناعي والأمراض المنتشرة.

مفارقة مؤلمة

يختتم التحقيق الفرنسي بالتأكيد على المفارقة المؤلمة: الفسفاط الذي يُستخدم في أوروبا لتحسين إنتاج الأراضي الزراعية، هو نفسه الذي يدمّر التربة والمياه والبحر في تونس، خاصة في قابس التي فقدت بريقها البيئي والاقتصادي، وأصبحت رمزًا لثمن التنمية غير المستدامة.

المصدر: multinationales.org – “L’industrie tunisienne des phosphates dans les coulisses de l’agriculture

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!