أثار مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، حيث تراوحت المواقف بين من يراه خطوة جريئة في استعادة الدولة لقرارها المالي، ومن يعتبره استمرارًا لغياب الرؤية التنموية والإصلاح الهيكلي.
النائب فاطمة المسدي اعتبرت أنّ مشروع الميزانية “فيه نقاط قوة، لكن زادة برشا أسئلة لازم تتجاوب”، مشيرة إلى أنّ من أبرز الإيجابيات الزيادة في الأجور دون مفاوضات، وهو ما يعني – حسب قولها – أن الحكومة استعادت سيادتها في القرار المالي، إلى جانب فتح الانتدابات لخريجي الجامعات والعاطلين منذ سنوات، وإدماج الأعوان العرضيين وعملة الحضائر والنواب وفق شروط واضحة، فضلاً عن توسيع برامج السكن للأجراء في خطوة تراها اجتماعية في وقتها المناسب.
لكن في المقابل، لفتت المسدي إلى غياب رؤية اقتصادية شاملة تخلق الثروة وتخفّف البطالة في الجهات، معتبرة أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل تم تهميشه من المشهد الاقتصادي، فيما تواصل المؤسسات العمومية نزيفها دون إصلاح جذري، ودعمٌ “بلا توجيه ومراقبة ضعيفة”. وأضافت أنّ “الميزانية فيها محاولات إصلاح، لكن بلا رؤية وطنية واضحة، باش تبقى أرقام على الورق”، مؤكدة أن تونس اليوم “محتاجة قرارات تخلق الثروة وتخدم الشعب، موش التوازنات فقط”.
من جهته، النائب أحمد السعيداني انتقد بشدة ما اعتبره “ميزانية تقوم على التداين أكثر من الإنتاج”، مبيّنًا أن الدولة “ستتداين بـ27 ألف مليار لتسديد 16 ألف مليار من الديون الداخلية والخارجية، وتبقى 11 ألف مليار ستُصرف جزافًا هنا وهناك”، معلقًا بلهجة لاذعة: “ملا تعويل على الذات وملا سيادة وطنية”.
أما الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي نشأت عزوز فقد رأى أنّ “غياب رؤية واضحة وتشجيع الاستثمار يجعل الدولة تتصرّف مثل العطرية، تزيد من هنا وتنقص من غادي، بلا خطة اقتصادية متكاملة”.
وفي السياق ذاته، أكّد الخبير الاقتصادي أرام بلحاج أنّ تقييم أي قانون مالية يجب أن يُبنى على الأرقام والمعطيات لا على النوايا، موضحًا أنّ قوانين المالية في السنوات الأخيرة تفتقر للنجاعة والرؤية، وأن أغلبها “يركّز على تعبئة الموارد بأي ثمن، مع بعض الفصول التجميلية فقط”، متسائلًا: “أين النمو؟ أين الاستثمارات؟ أين التنمية؟ وماذا تغيّر في حياة التونسي؟”.
وختم بلحاج تدوينته بالقول إن قانون المالية لسنة 2026 ليس استثناءً، مشيرًا إلى أنّ مؤشرات النمو والتشغيل والفقر “لا تزال دون الطموحات”، رغم بعض الإيجابيات التي تضمّنها المشروع في جانبه الاجتماعي.

