أصدر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (IACE) تقريرا تحليليا حول تنفيذ الميزانية في تونس للفترة الممتدة بين 2021 و2024، مدعّمة بمعطيات حديثة حتى نهاية مارس 2025.
وبينما تُظهر الأرقام تسجيل فائض بحوالي 2078.5 مليون دينار في الثلاثي الأول من 2025، يؤكد التقرير أن هذا “الفائض الظاهري” يخفي هشاشة مالية عميقة ومتواصلة.
نقاط ضعف هيكلية رغم تحسّن نسبي
يرصد التقرير استمرار الضغوط على المالية العمومية من حيث:
- ضعف السيولة في خزينة الدولة
- ارتفاع المديونية العامة التي تجاوزت 80% من الناتج الداخلي الخام بين 2022 و2024
- تدهور في آفاق الاستدامة المالية بسبب تراجع النمو وتعثر الإصلاحات.
ورغم تسجيل فائض أولي، فإنّ اللجوء المتزايد للتمويل الداخلي وخاصة اقتراض 7000 مليون دينار من البنك المركزي مطلع 2025، يشير إلى أزمة حادة في تعبئة التمويلات الخارجية.
موارد محدودة… ونفقات صعبة التحكم
سجلت الموارد الذاتية تطورًا طفيفًا في بداية 2025، خاصة في مداخيل الشركات غير النفطية، بينما تراجعت نفقات التصرف بشكل لافت (–27%)، وهو ما يعكس، وفق التقرير، ضغوطًا حادة على الخزينة العامة، وليس بالضرورة تحسنًا في نجاعة الإنفاق.
وقد ساهمت عدة عوامل في محدودية الموارد، من أبرزها:
- انخفاض مردودية الجباية، خصوصًا من الشركات غير البترولية (تنفيذ بـ56.9% فقط في 2023)
- ضعف مردودية الضرائب غير المباشرة بسبب تقلّص الاستهلاك وتغير سلوك المواطنين
- تراجع العائدات غير الجبائية بسبب انخفاض أسعار البترول وتدهور أداء المؤسسات العمومية
نفقات الدعم والديون تقيّد الميزانية
رغم محاولات التحكم، ظلت نفقات الدعم مرتفعة، إذ بلغت أكثر من 7000 مليون دينار منذ 2022، لا سيما لدعم الطاقة، ما شكل عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة، ومؤسسات كـ”STEG” و”STIR”.
في المقابل، ارتفعت كلفة خدمة الدين بشكل لافت، إذ بلغ إجمالي سداد أصل الدين 7406 مليون دينار في الثلاثي الأول من 2025، منها 2756 مليون دينار ديون داخلية.
تحذير من هشاشة هيكلية متزايدة
يشدد التقرير على أن:
- أكثر من 90% من موارد الميزانية ترتبط مباشرة بالنمو الاقتصادي، ما يجعلها حساسة جدًا لأي تباطؤ اقتصادي.
- نسبة الدين مقارنة بالإيرادات الجبائية وصلت إلى 300%، متجاوزة بشكل خطير عتبة الاستدامة المحددة دوليًا بـ250%.
- الإنفاق “الجامد” (أجور، دعم، فوائد ديون) يلتهم أغلب الميزانية، ما يقيّد قدرة الدولة على دعم الاستثمار أو اتخاذ إجراءات مرنة.
❖ توصيات التقرير
- ضرورة الإسراع بالإصلاحات الاقتصادية والمالية لتفادي اختناق مالي أعمق.
- تحسين آليات تعبئة الموارد، خصوصًا الجبائية، دون إرهاق النسيج الاقتصادي.
- مراجعة سياسة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه فقط.
- تخفيف الضغط على الميزانية من خلال تقليص النفقات غير المجدية وتعزيز الاستثمار العمومي الإنتاجي.

